الأحد، 10 يناير 2010

1_ حلم ماسح أحذية

أحلام ماسح أحذية
أثناء عودتي لمنزلي فى الرابعة فجرا لفت نظرى ماسح أحذية يجلس على باب قهوة تحت منزلى مازال يعمل بنشاط وكأننا فى العاشرة صباحا. ما أن راني ادخل القهوة حتى أسرع نحوى .. تمسح يا بيه. طلبت له شاى ودعوته لهذا الحوار.
_ ياريت نتعرف ؟
* اسمى عادل من بنى مزار فى المنيا
_ معاك شهادة ؟
* دبلوم زراعة مجموع كبير
_ وليه ما دخلتش جامعة ؟
· مارضتش اتعب أبويا فى المصاريف اكتر من كدا دا يا دويك عندنا فدان إلا ربع وحمار وجاموسة على سبع أنفار يعنى كل واحد أربع قراريط واقل من ربع الحمار والجاموسة مش كدا وبس دأنا أتجوزت بتمن قيراطين من نصيبى ومراتى بيصرف عليها أهلي علشان بتخدمهم وأنا بسافر لها كل شهر أو شهرين
_ وجيت مصر أمتي ؟
* من ست شهور
_ واستغلت إيه؟
* حاجات كتير فى سوبر ماركى (هكذا نطقها ) ومحل أحذية وامن بس كل شغله يطردوني
_ ليه ؟
· علشان نفسى أبقى مدير
_ فى إيه ؟
· فى قرية سياحية أو حتى على مصر كلها حا خليها أحسن من وحا كون رئيس أحسن من حسنى مبارك.
_ لو بقيت رئيس أول حاجة تعملها إيه ؟
· أجيب عقود شغل لكل الشباب ودهالهم بالتقسيط على قدهم علشان يجيبوا خير للبلد
_ وتانى حاجة ؟
· أخلى الحكومة تبطل مسك فى البياعين اللى فى الشارع بس أخليهم يبيعوا على جنب الرصيف علشان يسيبو طريق للناس ونفتح باب الوظايف وكله ياكل عيش ونصدر اللى يفيض من القمح والدرة للدول بأسعار غالية.
_ وفلوس بيع القمح والدرة تعمل بيها إيه ؟
· أوظف الغلابة
_ ومين يضمن انك لو بقيت رئيس تنفذ الكلام دا ما كلهم قالوا كدا ؟
· أنا عارف ان المسئولية صعبة لكن أنا قدها وقدود لأننا بحب الخير للناس وصدرى مفتوح ليهم يعنى مش رئيس وخلاص.
_ طيب مش حا تعمل لنفسك حاجة وأنت رئيس ؟
* لأ أزاي حا جيب سواق يلف بى علشان أصلح الشوارع والمصانع والجوامع والكنايس وحا شغل سكرتيرة حلوة عندي ( يضحك وهو يهتز ثم ينظر لصندوق مسح الأحذية وكأنه يعيده لواقعه القاسى ويكمل بنبرة صوت مغموسة الم ) أنت عارف يا أستاذ دايما مراتى تقولى بلاش تحلم وبص تحت رجليك.
_أنت حابب شغلتك يا عادل ؟
· والله حبيت مسح الجزم بعد ما واحد ابن حلال علمهالى من اسبوعين وحوشت سبعين جنيه واشتريت صندوق مستعمل وبعدين أنا بيضته ووضبته زى ما أنت شايف كدا.
_ ودخلك بيكفيك ؟
· الحمد الله بطلع بتلاتين وربعين جنيه وساعات تضرب وأجيب خمسين جنيه .
_ وتعمل بيهم أية ؟
· بدفع إيجار خمسين جنيه فى اوضة معاى فيها ثلاثة من بلدنا وباكل وشرب وحوشت مية وخمسين جنيه.
_ فين ؟
· مش فى البنك أنا شايلهم فى دفتر توفير.
_ ليه ؟
· علشان الشيخ قال ان البنك حرام.
_ وح تعمل إيه بالمبلغ دا ؟
· سايبه للزمن وح كمل عليه مش يمكن يجينى عيال ومراتى أمانة معايا والعيشة عمالة تغلى تعرف يا بيه أول علامات يوم القيامة إيه ... الغلا يعنى أنا حاسس أن القيامة ح تقوم .
_ ايه اكتر حاجة بتفرحك فى الدنيا ؟
* أفلام عادل إمام ونفسى أقابله يمكن يشغلنى مدير قرية سياحية أو رئيس مصر وأسيب الشغلة دى .
_ حد عارف فى البلد عندك انك بتمسح أحذية ؟
· زمايلى قالوا لبويا ومراتى بس أنا كذبت عليهم وقلتلهم انى شغال فى محل.
_ ليه مش شغله شريفة ؟
· أيوه بس أبويا قالى إنها شغلة عواطليه مع أنى بكسب وحر نفسى .
_ وبعد كلامهم ممكن تسبها ؟
* اسيب إيه يا بيه أنا هنا بعيد عن اهلى والبلد اللى أنت غريب فيها شلح وأجرى
_ كام مرة الشرطة مسكتك ؟
· تلات مرات وكل مرة يكشفوا على سوابقى يلاقونى نضيف يسبونى .
_ حد ضربك ؟
· لأ وأخر مرة كنت لبس الجاكت الحلو دا ( يشاور على جاكته الممزق ) وقلت للظابط أنا باين على ابن ناس يرضيك ترمنى مع المقاطيع فى الحجز قام ضحك ومشاني.
_ يعنى الحكومة حلوة ؟
· حرميه ووكلنها هما والأغنيا وبيدسوا على رقبة الفقير فى الطين ومش عارف الريس عارف ولا بيلعبوا من ورى ظهره بس على فكرة واحد قالى انه عارف.. صدقنى يا أستاذ ساعة ما واحد فيهم ح يموت مفيش ولا واحد فقير ح يمشى ورآه.

الأحد، 19 أبريل 2009

حورات مع بسطاء بلادى


الفهرس
1_ حلم ماسح أحذية
2 _ واحد حوار سخن وصلحه
3 _ أم العيال
4 _ حوار أخر مزاج
5 _ يا فرحة ما تمت
6 _ وجع القلب
7 _ بحلم وأنا ماشى
8 _ مضروب بورصة
9 _ الله على الأرض
10 – منك لله يا إسماعيل
11_ ست الكل
12_ أم على
13 _ حوار مع واحد لامؤاخذة
14 _ كله تمام
15 _ فتح مخك تاكل ملبن
16 _ حوار يطرى القاعدة


أحلام ماسح أحذية
أثناء عودتي لمنزلي فى الرابعة فجرا لفت نظرى ماسح أحذية يجلس على باب قهوة تحت منزلى مازال يعمل بنشاط وكأننا فى العاشرة صباحا. ما أن راني ادخل القهوة حتى أسرع نحوى .. تمسح يا بيه. طلبت له شاى ودعوته لهذا الحوار.
_ ياريت نتعرف ؟
* اسمى عادل من بنى مزار فى المنيا
_ معاك شهادة ؟
* دبلوم زراعة مجموع كبير
_ وليه ما دخلتش جامعة ؟
· مارضتش اتعب أبويا فى المصاريف اكتر من كدا دا يا دويك عندنا فدان إلا ربع وحمار وجاموسة على سبع أنفار يعنى كل واحد أربع قراريط واقل من ربع الحمار والجاموسة مش كدا وبس دأنا أتجوزت بتمن قيراطين من نصيبى ومراتى بيصرف عليها أهلي علشان بتخدمهم وأنا بسافر لها كل شهر أو شهرين
_ وجيت مصر أمتي ؟
* من ست شهور
_ واستغلت إيه؟
* حاجات كتير فى سوبر ماركى (هكذا نطقها ) ومحل أحذية وامن بس كل شغله يطردوني
_ ليه ؟
· علشان نفسى أبقى مدير
_ فى إيه ؟
· فى قرية سياحية أو حتى على مصر كلها حا خليها أحسن من وحا كون رئيس أحسن من حسنى مبارك.
_ لو بقيت رئيس أول حاجة تعملها إيه ؟
· أجيب عقود شغل لكل الشباب ودهالهم بالتقسيط على قدهم علشان يجيبوا خير للبلد
_ وتانى حاجة ؟
· أخلى الحكومة تبطل مسك فى البياعين اللى فى الشارع بس أخليهم يبيعوا على جنب الرصيف علشان يسيبو طريق للناس ونفتح باب الوظايف وكله ياكل عيش ونصدر اللى يفيض من القمح والدرة للدول بأسعار غالية.
_ وفلوس بيع القمح والدرة تعمل بيها إيه ؟
· أوظف الغلابة
_ ومين يضمن انك لو بقيت رئيس تنفذ الكلام دا ما كلهم قالوا كدا ؟
· أنا عارف ان المسئولية صعبة لكن أنا قدها وقدود لأننا بحب الخير للناس وصدرى مفتوح ليهم يعنى مش رئيس وخلاص.
_ طيب مش حا تعمل لنفسك حاجة وأنت رئيس ؟
* لأ أزاي حا جيب سواق يلف بى علشان أصلح الشوارع والمصانع والجوامع والكنايس وحا شغل سكرتيرة حلوة عندي ( يضحك وهو يهتز ثم ينظر لصندوق مسح الأحذية وكأنه يعيده لواقعه القاسى ويكمل بنبرة صوت مغموسة الم ) أنت عارف يا أستاذ دايما مراتى تقولى بلاش تحلم وبص تحت رجليك.
_أنت حابب شغلتك يا عادل ؟
· والله حبيت مسح الجزم بعد ما واحد ابن حلال علمهالى من اسبوعين وحوشت سبعين جنيه واشتريت صندوق مستعمل وبعدين أنا بيضته ووضبته زى ما أنت شايف كدا.
_ ودخلك بيكفيك ؟
· الحمد الله بطلع بتلاتين وربعين جنيه وساعات تضرب وأجيب خمسين جنيه .
_ وتعمل بيهم أية ؟
· بدفع إيجار خمسين جنيه فى اوضة معاى فيها ثلاثة من بلدنا وباكل وشرب وحوشت مية وخمسين جنيه.
_ فين ؟
· مش فى البنك أنا شايلهم فى دفتر توفير.
_ ليه ؟
· علشان الشيخ قال ان البنك حرام.
_ وح تعمل إيه بالمبلغ دا ؟
· سايبه للزمن وح كمل عليه مش يمكن يجينى عيال ومراتى أمانة معايا والعيشة عمالة تغلى تعرف يا بيه أول علامات يوم القيامة إيه ... الغلا يعنى أنا حاسس أن القيامة ح تقوم .
_ ايه اكتر حاجة بتفرحك فى الدنيا ؟
* أفلام عادل إمام ونفسى أقابله يمكن يشغلنى مدير قرية سياحية أو رئيس مصر وأسيب الشغلة دى .
_ حد عارف فى البلد عندك انك بتمسح أحذية ؟
· زمايلى قالوا لبويا ومراتى بس أنا كذبت عليهم وقلتلهم انى شغال فى محل.
_ ليه مش شغله شريفة ؟
· أيوه بس أبويا قالى إنها شغلة عواطليه مع أنى بكسب وحر نفسى .
_ وبعد كلامهم ممكن تسبها ؟
* اسيب إيه يا بيه أنا هنا بعيد عن اهلى والبلد اللى أنت غريب فيها شلح وأجرى
_ كام مرة الشرطة مسكتك ؟
· تلات مرات وكل مرة يكشفوا على سوابقى يلاقونى نضيف يسبونى .
_ حد ضربك ؟
· لأ وأخر مرة كنت لبس الجاكت الحلو دا ( يشاور على جاكته الممزق ) وقلت للظابط أنا باين على ابن ناس يرضيك ترمنى مع المقاطيع فى الحجز قام ضحك ومشاني.
_ يعنى الحكومة حلوة ؟
· حرميه ووكلنها هما والأغنيا وبيدسوا على رقبة الفقير فى الطين ومش عارف الريس عارف ولا بيلعبوا من ورى ظهره بس على فكرة واحد قالى انه عارف.. صدقنى يا أستاذ ساعة ما واحد فيهم ح يموت مفيش ولا واحد فقير ح يمشى ورآه.
واحد حوار سخن وصلحه
عندما رأيت حريق مكتب د/ ايمن نور وعرفت ان زوجته جميله إسماعيل وعدد قليل من أنصاره كانوا داخله حزنت وواصلت مشوارى لقهوة عم محمود النوبى كما أعدت أن أتناول عنده شاى اسود ثقيل وجاءني مرحبا ومعه المشروب وحاول ببشرته السمراء الطيبة ان يلفت نظرى لشىء لم افهمه فدخل القهوة ونادى على
هو / تعالى يا أستاذ علشان تشوف نوع الشاى بنفسك دخلت فقال لى بصوت منخفض وعينيه تتلصص على باب القهوة
هو / خلى بالك اللى قاعدين على باب القهوة دول امن دوله
أنا / يعنى ايه
هو / يعنى بلاش تفضفض منا عارف لسانك زفر زى حلاتى
وخرجت لأواصل شرب المشروب الأسود مثل أيامنا الطين الى أن انزاحم من على القهوة فجأنى عم محمود وكأنه يحمل غضبا لايستطيع حمله وسألني مباشرة
هو / بذمتك دا يرضى ربنا اللى عملوه فى مكتب ايمن نور
أنا / ورغم تطابق رأى ومشاعرى مع كل ما قاله الأ اننى أصريت ان استفزه بالأسئلة المعاكسة
أنا / بيقولوا أن أنصار ايمن نور وزوجته هم من بدأو ضرب زجاجات الملتوف
هو / أوعى تصدق كلام كلاب الحكومة
أنا / رأيك أنهم ظلموا ايمن نور
هو / يا عم أنت ها تجننى وتقولى انه مزور
أنا / الله أنت كمان ح تدافع عنه فى دى
هو/ يا عم لا دافع ولا أنيل أنا عاوز اسأل سؤال
أنا / أتنيل .. اقصد أتفضل
هو/ إذا كان ايمن نور أتسجن خمسة سنوات علشان زور خمس تلاف اسم أمال اللى زور صوت ثمانين مليون مصرى علشان يفضل راكب يتسجن أد إيه
أنا / عندك ما يثبت
هو/ يانهار اسود عندي مليون حاجه تثبت
أنا/ فين هى
هو/ اذا كنت تقصد الأوراق وتزوير الأوراق فدى لعبتهم أما أنا بكلمك من خلال الدنيا بتاعتنا اللى هما مالهمش دعوه بيها
أنا/ لكن دولتهم هى اللى بتحكم
هو/ دلوقت
أنا / وبكره
هو/ بكره راح يحصل فيه حاجات كتير وزى أوبامى ( يقصد الرئيس الامريكى أوباما ) ما بقى رئيس أمريكا ممكن أوى يبقى ايمن نور أو أى جدع مصرى غيره يبقى رئيس جمهورية مصر.
حاولت وهو فى حالة نشوه ان احقق مكسب سريع
أنا/ خلاص يبقى شاى انهرضه براءة فى صحة الرئيس الجديد فقام منفضا جلبابه المصرى الجميل وبانفعال صادق
هو/ لأ ياحبيبى مش كفايه بتوع امن الدولة ولاد... اللي جم طفحوا فلسعوا

أم العيال
أثناء جلوسي عند صديق اعلم انه رجل خير وجدت إحدى السيدات قمحية اللون فى الثلاثين من عمرها ومعها طفلتها أهم ما يظهر فيها هو الكدمات السوداء تحت عينيها وجرح فى شفتها عليه بواقى دم متجلط. أعطاها صديقي بإحسان وسألها
* عملت محضر لجوزك يا أم مروه ؟
- ايوه يا حاج غصب عنه وعن المخبرين اللى يعرفهم فى القسم واللي فضلوا يشتموني علشان ماعملش محضر. لكن أنا فضلت أصوط على باب القسم لغاية لما عمالولى محضر وخدت تقرير من المستشفى وطلع باكتر من واحد وعشرين يوم يعنى قضية.
* شدنى قسوة الضرب لوجه هذه السيدة فسألتها لتكشف لى جذور ألامها
ضربك ليه يا أم مروه ؟
- عشان كان عاوز يبيع التلفزيون
* وباعه ؟
- لا قلت له خد روحى قبل ما تاخذ التلفزيون
* ليه متمسكة بالتلفزيون كدا ؟
- علشان ماكسرش بنفس ولادى وخليهم يتذلوا بالفرجة عند الناس. وبعدين هولا بيخرجنا ولا العيال بتروح جنينه كمان عاوز يبيع حتة التلفزيون اللى بيسليهم واللى لسه بدفع فى قسطه.
* هو بيصرف عليكم ؟
- من تمن شهور وهو ما بيدخلش علينا بيت
* وقبل كدا كان عامل معاكوا ايه ؟
- من أول ما أتجوزته من حداشر سنه وهو مشربنى المر
* هو شغال إيه ؟
- نقاش لكن عمرى ما شفته ماسك فرشه فى السنين دى إلا يمكن أربع مرات
* أمال إيه مصدر دخله ؟
- كان بيلعب طول الليل قمار على قهوة جنبنا بس بطل القمار على أيدي .
* أزاي ؟
- كنت كل يوم انزله وأفضل اشتم وكسر فى القهوة واطلبلهم الحكومة لغاية لما صاحب القهوة طرده ولما راح قهوة تانية فضلت ورآه لغاية لما بطل القمار
* لما بطل القمار أتعدل معاكى ؟
- بقى زفت وقطران وبدأ يجرى ورى النسوان دا راجل فاجر
*عمل إيه ؟
- أتجوز واحده وجابها تقعد معايا فى الأوضة أنا وولادة وقال قريبتى لغاية لما جالى إعلان وعرفت انه أتجوز قمت طرداها من عندي.
* أنت وعيالك قاعدين فى أوضة واحدة ؟
- أنا وأربع عيال قاعدين فى أوضة فى بيت مسنود بعمدان خشب علشان مايقعش الحمام شرك وفى الدور الأرضي تحت بير السلم اللى ساكن فيه شباب عذاب.
* حد فيهم بيضايقك ؟
- طلعت دين واحد فيهم الباقى كله اتأدب
* أمال مين بيصرف عليكم دلوقت ؟
- أنا
* منين ؟ ترددت قليلا وقالت بإحراج
- من أهل الخير حتى علاجي بيجيبه أهل الخير
* أنت عيانة بأية ؟
- عندى أزمة ربو فى صدري ولازم أتعالج ببخاخة
*وليه ما بتشتغاليش ؟
- أنا لمؤاخذه ممعايش شهادة ولو حد عاوز يشترى أو يشيل حاجه بشلها لكن شغل البيوت لأ.
* ليه ؟
- اللى بتشتغل فى شقة بتبقى رخيصة عند صاحب الشقة.
*وعياله مابيحنش ليهم ؟
- تصدق وتؤمن بالله مره أبنى الصغير فضل يجيب دم لمؤاخذه وطلبت منه يودية المستشفى والله ما سأل فيه لغاية لما كشفت عليه وجبتله العلاج
* بتعلمى ولادك ؟
-لازم
*ليه ؟
- علشان ما يطلعوش عره زى أبوهم اللى سابنا وراح أتجوز واحد تالته عندها خمسه وخمسين سنه
* ودي عاوز منها إيه ؟
- مجوزها علشان فلوسها وهى مسكاه بشيك بخمس تلاف جنيه وهى ست كبيرة عوزاه خيال مأته يونسها ماهو راخر بقى متنيل ومالوش فى موضوع الستات
*أزاي وهو مخلف منك أربع عيال ؟
- من تلات سنين وهو تعبان وجاله جلطات فى القلب وغير شرايين وحالته نيله
*وليه ما طلابتيش الطلاق ؟
- أأكل العيال ولا ادفع للمحامى
*ماتعرفيش أن فيه جمعيات بتساعد الستات ؟
- اسمع عنهم فى التليفزيون بس ما فيش حد فيهم ساعدنى
* ولا اهلك ؟
- الصعايدة عرضهم غالى لكن عوزنى أنا لوحدى وولادى لحمهم طرى لو سبتهم ح يرميهم وتكلهم ديابة الشوارع
* إيه اكتر حاجة نفسك فيها ؟
- أنى أطلق.
ظللت لفترة اتابع اخبار تلك السيدة الى ان فاجئنى صديقى بأنها احترفت الدعارة وانه اكتشف ان زوجها كان ومنذ صغرة شاذا يميل الى ان يعتليه الرجال اكثر من ان يعتلى هو زوجته ومع ذلك تزوج وانجب اطفال اصبح مصيرهم يزداد غموضا وقسوة.
حوار أخر مزاج
قابلته على القهوة فى حوالي العاشرة صباحا كان واضحا انه لم ينام سألته عن السبب قالى كنت باحشش .
* طلبت منه ان يعرف نفسه
_ أسمى محمد وعمرى خمسة وعشرين سنه وساكن فى مساكن بهتيم بشبرا الخيمة ومعاى دبلوم.
* كيفك حشيش بس ؟
_ بشرب مية ( خمور ) وحشيش وكيميا
* يعنى إيه كيميا ؟
_ ( يضحك من جهلى ) يعنى برشام
* كلمني عن قاعدة أمبارح ؟
_ دى بقى كانت تحدى يعنى لتكمل الشرب لتموت
* من أمتي بتاخد مخدرات ؟
_ وعمرى سبعتاشر سنة
* أبوك بيشرب ؟
_ طبعا بس الفرق أن أبويا وشلته كانوا بيتكيفوا كل أسبوع لكن أحنا عرض مستمر
* أزاي بدأت مشوار المخدرات ؟
_ طبعا بالسجاير اللى بدأتها وأنا عمرى أتناشر سنه لما زميلى أتريق على لأني عيل مابشربش ولما شربت فضل يدينى لغاية لما اجبرني أنى اشترى . ومن السجاير رحنا للبانجو وبدأت بسيجارتين فرفشة فى فرح ودلوقت بعون الله بنتعامل مع كل برتيتة المخدرات .
*مفيش حد فى البيت خد باله ؟
_فى مرحلة السجاير بس كنت بشتري برتقان علشان يضيع الريحة
*ودلوقت ؟
_ دلوقت علشان اقدر أفتح عينى الصبح لازم أمي تعملي كباية شاى حبر على الريق واشربلى سيجارتين.
* وبتشرب ليه ؟
_ ( ضحك ) أنا عارف زيك أن الشرب مالوش لازمه لكن مش قادر أديله ضهرى
* مين أكتر واحد بيطلب منك تبطل ؟
_ أبويا.
* وليه مابتسمعش كلامه ؟
_ لأني طول عمري على خلاف معاه
* جربت تبطل من نفسك ؟
_ ماينفعش لأن كل صحابى حوليا بالمخدرات فى كل حتة . وبعدين عيب لما أروح فرح أو حد يوجب معايا بحتة حشيش ومالفش سيجارتين أمال ح نضحك ونفرفش ونتراضى مع بعض أزاي ؟
* اكتر حاجة بتحس بيها وأنت اعد بتشرب مع صحابك ؟
_ اكتر حاجة بتيسطنى لما نافوخى يسيح وجسمى ينمل
* اشرحلى ؟
_ من غبر شرح يعنى نافوخك يروح فى داهية عاوز أقولك ساعتها بعمل أيه ؟
* ياريت ؟
_ فى مرة كنت راكب ميكروباص أنا وواحد صاحبي وكنا أخر تمام وفضل هو يكلمني فى موضوع وأنا أكلمه فى موضوع تانى خالص وبعدين اختلفنا ومسكنا فى بعض لغاية لما خلصنا واحد معرفة.
* بتحس أنك قوى لما بتشرب ؟
_ البانجو يخليك تحس ان ليك شأن كبير ويحرك لسانك ويخليك تتكلم ولو مع رئيس نيابة حتى لو مش فاهم حاجة وممكن بالشرب اقلع واحد هدومه وفيه شرب يخلى قلبك جامد ؟
* حصلت معاك ؟
_ طبعا فى مرة واحد صاحبي أتخانق مع حماته علشان بيشرب قمت أنا شاربله وفضلت اشتم أدام بيتهم لغاية لما أنقطع نفسي .
* أكتر مخدر بتحبه أية ؟
_ الحشيش طبعا
* ليه ؟
_ أولا البانجو فضحى والناس وأبويا بيزعلوا منى وكمان فى مرة واحد كبير قالى فى قاعدة شرب ان الحشيش كيف الملايكة ورغم أنى كنت لسه جديد فى الشرب لكن كلمته لسه معلقة معايا .
* تفتكر أكتر وقت كنت محتاج تشرب فيه ؟
_ يوم لما رفضتنى أكتر واحدة حبيتها فى الدنيا .
* عملت ايه ؟
_ طينتها مع صحابى اللى جم يجاملوني بالكيف. يوميها شربت حوالي تلاتة لتر خمرة ورجعت بتنا وأنا بخبط فى الشارع يمين وشمال وفضلت أرجع مية صفرا لأني ماكنتش كلت حاجة طول اليوم ؟
* كان إحساسك إيه فى الوقت دا ؟
_ فضلت أعيط على نفسى لأن الشرب ضيع حبيبتي منى وكمان لأني مش عارف أصلب طولى ووصل لبيتنا.
* ولسه بتشرب ؟
_ ياعم الكيف كياف
*يعنى إيه ؟
_ انت بتحسسنى أنك مش فى الدنيا دى خالص . الكيف كياف يعنى أنت بتمشى ورى كيفك مش ورى دماغك. وكمان كل صحاب عمرى واللى معايا فى الحلوة والوحشة كلهم بيشربوا معايا .
* أيه أكتر حاجة شجعتك على الشرب ؟
_ تلات حاجات صحابي وأمي لأني دلوعتها وكمان مسكت فلوس بدرى لأني باشتغل جنب المدرسة من وأنا عمرى أتناشر سنة .
* وأية رأيك فى اللى شجعوك ؟
- زعلان منهم وندمان على نفسى لكن مش قادر أبطل
* معقول ؟
- صدقنى ساعات بوصل لحالة ضيق جامدة وببقى عاوز اضرب نفسى بحاجة أو أرمى نفسى فى مصيبة فى الساعة دى بطلع غلبي كله فى سيجارتين مخدرات .
* حاولت تطلعه فى حاجة تانية ؟
- طالعته مرة فى الشغل وفصلت بالكونه حديد لزبون غنى قام كرمني بمية جنيه
* بتحس أن المخدرات بتساعدك انك تبتكر فى شغلك ؟
- على فكرة المخدرات بتوقف العقل مش بتشاغله وعلشان كدا أنا بشرب .
* كان ليك اى هوايات فى حياتك ؟
_ كنت بكتب شعر وماليت اكتر من أربع أجندات لكن لما حبيبتي رفضتني حرقتهم وانحرفت أكتر وحياتي أدمرت خالص.
* حصل فى مرة أتمسكت من الشرطة ؟
- كتير وربنا كان بيسترها لكن فى مرة كنت ح روح فى داهية
* أحكيلى ؟
_ فى مرة وقفني أمين شرطة فى كمين وكنا الفجر وسألني معاك مخدرات قلتله ببجاحة السيجارتين فى الدماغ مش فى الجيب ولو تقدر تمسك معايا حاجة خدنى أم مقلعنى هدومى كلها فى عز البرد وقعد يفتشنى وذودها وشتمني بأمي قمت من غير تفكير ضربته دماغ ومن بعديها ماشفتش حاجة من رجول أمناء الشرطة اللى ضربونى ولما جهة الظابط بالبوكس قلتله الحقنى ياباشا الأمين فاتشنى وعاوز ياخد فلوسى ولما صعبت علي الظابط مشانى .
* ياترى مأمن حياتك بأي فلوس ؟
_ أقل من خمس تلاف جنيه
*وفين بقيت فلوس شغلك وتعبك ؟
_راحت على المزاج واللبس
* والفلوس اللى معاك دى حلال ؟
_ لأ وعلشان كدا مش راضى أديها لبويا يصرفها على أخواتي وأمى
*و ح تعمل بيها إيه ؟
_ ح تتصرف فى الهلس
* ليك أي حلم فى حياتك نفسك تحققه ؟
_ أنى أبقى ملتزم دنيا ويبقى عندى مزرعة خيول لأني بعشقهم أو على الأقل أوضة على سطوح وزوجة صالحة وولاد أصلح حالهم واصرف عليهم من حلال
* حاسس انك قادر تحقق حاجة فيهم ؟
_ أبدا لأنى لو كنت قادر احقق أحلامي في الواقع ما كنتش لجأت لوهم المخدرات وقعدت أدامك مدمر كدا
* ثم أنهى حديثه معى عندما اتصل به احد أصحابه لعمل أسصطباحة.

يا فرحة ما تمت
شئ غريب لاحظته وأنا داخل حارة أحد معارفي لحضور فرح أبنه فلم أجد لمبة مضاءة ولا كوشة فرح . وعندما لمحت أبو العريس يجلس على كرسي منكسر النفس أسرعت نحوه لأطمئن.
* مالك يابو عبده وفين العريس ؟
_ فى السجن
* يا ليله سودا ليه ؟
_ ظابط لفق له قضية هيروين
* مش معقول الكلام دا ؟
_ ( صرخ الرجل وهو يقلب ترابيزة أمامه عليها كوب شاي ) ياعم وحياة النبي وحياة المسيح ومن خالقهم بقولك لفقله قضية هو برئ منها
* ( أخذت مجهودا كبيرا حتى أعيد الرجل لبعضا من هدوئه الخارجي ) أنا بس مستغرب يعمل فيه كدا ليه ؟
_ أصل عرض على أبنى انه يشتغله مرشد اكتر من مرة وأبنى رفض قام مهدده انه ح يلفق له قضية.
* وكان رد ابنك إيه ؟
_ قاله اعمل اللي أنت عاوزه بس مش ح عرس على ولاد منطقتي أو صحابي. ولغاية دلوقت كنا مفكرين الموضوع كلام وخلاص.
* وهو يعرف أبنك منين ؟
_ أبنى مضروب بالأفراح بيروح يرقص ويشرب هو وصحابه ونفس الظابط خده اكتر من مرة وأخرهم كانت فى خناقة كبيرة وحكموا على أبنى.
* فى القضية دى أبنك كان جاني فعلا ؟
_ أيوه وخد جزائه وأتسجن.
* وبعدين ؟
_ لما خرج قررت ألمه جبتله عربية ميكروباص يشتغل عليها وقلت أجوزه .
* ( رغم المخاطرة قررت اسأله ) معلش مش يمكن أبنك ليه فى موضوع المخدرات دا وأنت ماتعرفش ؟
_ فى القضية اللى فاتت أنا قلت أمين ولو قالي معاه حتة حشيش بيشربها ح قول أمين لكن هيروين وبيتاجر لأ وألف لأ . أصل أنا كنت موجود وهو بياخد أبنى الساعة أتنين بالليل .كان بيشطب فى شقته مع الصنايعية .
* ماسألتش الظابط جى ياخد أبنك ليه ؟
_ قالى عليه حكم قديم وح يقضيه.
* وعملت أية ؟
_ تانى يوم جبت محامى فرحني فى الأول أن أبنى ماعلهوش قضايا قديمة وبعد كدا صدمني أن الظابط عامله قضية بتلاتة وأربعين تذكرة بودرة عارف الرقم دا ليه.
* ليه ؟
_ علشان يظبط القضية . قال يعنى راجل عنده ضمير وماقلش خمسين تذكرة .
* طيب المحامى قال الحل إيه ؟
_ المحامى صارحني أن أبنى فى خطر وطلب عشر تلاف جنيه.
* ليه كنير كدا ؟
_ قالى والله اعلم أن كان صادق ولا كداب انه ح يرش منهم أربع تلاف علشان يبعد أبنى من قدام قاضى مفترى فى قضايا المخدرات ويودية أدام قاضى تانى .
* وعروسة أبنك وأهلها موقفهم إيه ؟
_ رحت قلتلهم على كل حاجة بصراحة.
* وتقبلوا الوضع ؟
_ رجعولى الدهب رغم أنهم متأكدين أن ابنى برئ
* ليه ؟
_ علشان كلام الناس .
* المهم دلوقت أن يرجعلك أبنك بالسلامة
_ تصدق بالله بعد ما صرفت فلوس دهبه وفرحه على القضية مانى عارف ح يطلع براءة ولا لأ.

وجع القلب
شعرت بقلق عندما ذهبت للمستشفى لزيارة قريب لى ولم أجد أم وليد . سألت عنها لم يعرف أحد فى الإدارة اين هى واكتفوا بمجئ عامله مكانها . لم يدلنى إلا عامل الأمن الذي رآها تسقط على الأرض وركبها توكتوك ليسرع بها لمستشفى التأمين فأسرعت بدورى لكى اطمئن عليها وعلى الرغم من اصرارى على عدم إزعاجها إلا أنها أصرت أكثر على أن تفضفض .
*حمد الله على السلامة يام وليد دا أنت غالية علينا قوى
- بصراحة يابنى المرض كاشفلى انى مش غالية عند حد خالص لا شغلى ولا أبنى ولا البلد
* ازاى ؟
- تصدق ان المستشفى اللى كنت شغالة فيها كانت ست ادوار وكنت شيلاها أنا وواحدة زميلتى كنس ومسح وخدمة للإدارة والدكاترة والمرضى وساعات كنت بعمل ده لوحدى لما زميلتى تغيب وأنت كنت بتشوف بنفسك.
* ودخلك من شغلك كان بيكفيك ؟
- مرتبى تلتميت جنيه وكان بيجيلى زيهم من المرضى وزوارهم بس بعد ما يهدوا حيلى .
* بتشتغلى كام ساعة ؟
- من عشرة الصبح لعشرة بالليل علشان مايجبوش عمال تانيين وينخفض الأجر للنص
* طيب ليه ما تعالجتيش فى المستشفى اللى أنت شغاله فيها ؟
- ( ابتسمت ابتسامة مبكية ) دى مستشفى انا فيها علشان اكنس وامسح بس .
* كتبوا معاكى عقد يحفظ حقك ؟
- بشتغل من غير أى حاجة
* ليه ؟
- لأنى لوطلبت ح يمشونى
* لما تعبتى حد جالك من ادارة المستشفى
- عرفت انهم جابو واحدة مكانى وح يخدوا صحتها ويرموها زى مارمونى
* طيب ح تعيشى ازاى ؟
- الحمد الله انا ليه معاش منا كنت شغاله تمرجية فى مستشفى حكومى
* معاشك أد إيه ؟
- 270 جنيه
* ح يكفوك ؟
- لأ بس فيه دكتور من المستشفى جالى وطلب انى اشتعل فى عيادته من الساعة أربعة للساعة حداشر بالليل وح يدينى 130 جنيه
* وح تقدرى تشتغلى ؟
- افتكر من ساعة ماوعيت على الدنيا وأبوى بيشغلنى أنا واتنيين بنات اخواتى
* والصبيان
- كنا تلات بنات وتعلمنا أزاى نعتمد على نفسنا من صغرنا وعمرنا ما احتجنا لحد
* وعملتى كدا مع ولادك ؟
- للأسف حاولت أعوضهم موت أبوهم لكنى فشلت مع ابنى وليد .
_ عمره اد ايه ؟
- 32 سنه وطول عمره يسرق شقاى ويشرب بيه سجاير جوزته مرتين من مكافأة نهاية الخدمة بتاعتى وقبل ما ادخل المستشفى جه نصب على وخد تلتميت جنيه علشان قالى ان بنته فى المستشفى
* وبناتك ؟
- دول اللي عاوضنى بيهم ربنا الصغيرة بجهز لها وهى بتشتغل فى مستشفى وبتساعد نفسها والكبيرة أتخرجت وسافرت مع جوزها للسعودية بس فى خلافات هى وجوزها من ساعة ما سافرت ونازله الأسبوع الجاى على طلاق وح تولد عندى
* طبعا الدكاترة قاللولك تستريحى وخدى علاجك ؟
- بعد ماعملت دعامتيين فى القلب من سنه الدكتور قالى لازم تفتكرى سنك ووجع قلبك وخرجت من المستشفى اشتغلت . المرة دى قالى احمدى ربنا جالك جلطة وفلاتى منها بأعجوبة وبرضة حا خرج اشتغل ما فيش مفر يا بنى
بحلم وأنا ماشى
فى الواحدة صباحا وإثناء تناولنا للعشاء المعتبرعند بائع فول فى السيدة زينب رأيت شابا نحيلا يمسك شنطة بلاستيك بها حوالى ربع كيلو لب يبيع منها على رواد المقاهى . وعندما اقترب منى مترددا ليعرض على كيس لب صغر بنصف جنيه تركت العشاء والأصدقاء وتمسكت بالحوار معه الذي لم يبدأه معي إلا عندما استشار بائع الفول وجاء يستأذني فى عدم نشر اسمه كاملا وصورته ثم عرفنى بنفسه
- اسمى نبيل وخريج دبلو تجارة سنة 2003 وعمري 23 سنة يعنى بقالي ست سنين فى الشغلة دى .
* بتشتغل بفلوس أد ايه ؟
- بجيب ربع كيلو اللب وربع سودانى والف بيهم ولما صنف فيهم يخلص بروح أجيب ربع تانى اصل فيه مقالى اللب فاتحة للفجر
* تقريبا بيطلعلك كام فى اليوم ؟
- لما كان كيلو اللب ب تمانية جنيه كنت بكسب كويس يعنى حوالي خمستاشر جنيه وممكن اقفل البريزتين ( عشرين جنيه ) دلوقت كيلو اللب بقى بربعة وعشرين جنيه ونزل مكسبى لحوالى سبعة جنيه
* وعندما لا حظ نبيل ملامح الاستغراب على وجهي بادرني قائلا
- صدقني يا بيه أنا صحيح بخاف من الحسد ونق اللي حوليا على شغلتى ورزقى لكن صدقني أنا بكسب ستة سبعة جنيه فى سرحة بالليل لكن علشان أكون صادق معاك أنا بشتغل شغلة تانية
* هى إيه ؟
_ باشتغل فى فرن وبيدونى تلاتاشر جنيه ولو حد عنده دكان ولا عربيه وعاوز ينضفهم ما بتأخرش يعنى الحمد الله مستورة
* احكيلى بتعيش يومك ازاى ؟
_ الساعة تمانية الصبح بكون فى الفرن وبروح الساعة تلاتة وبنام من الساعة أربعة العصر واصحي تمانية بالليل وانزل لرزقى من الساعة تسعة لغاية الفجر وروح أتقلب أنام لغاية سبعة الصبح علشان الفرن بس ساعات باجى من الفرن أفضل نايم ولما أجي اصحي ألاقى عضمى مكسر وفضل نايم لكن لما بفتكر أنى محتاج مصاريف أنا وأمي بروح نازل حتى لو الساعة اتناشر بالليل واسرح للفجر وارضى برزق ربنا .
* وأسرتك فين ؟
- أنا عايش مع امى بعد وفاة أبويا ومعانا اخيين ويادوبك معاشها مكفيهم بالعافية . بصراحة فى الأول كنت قاسى عليها ولما كبرت وفهمت وبقت هى صاحبة مرض بقيت بحن عليها وأبوس أديها واجيبلها شريط البرشام اللي بيخلص من علاجها
* أبوك كان شغال إيه ؟
- كان موظف فى السكة الحديد وكان شايل مسئوليتنا ومسئولية أهله فى البلد . الحمل كان تقيل عليه قوى ومات فى الجلطة التالتة .
* أنت اشتغلت وعمرك أد إيه ؟
- تصدق شقيت اكتر من أبويا وبدأت الشقا وعمري سبعتاشر سنة وعلى فكرة أنا بدأت ببيع المناديل علشان جسمى ضعيف وبعدين قلبت لبييع اللب .
* حاسس أنها شغلة كويسة ؟
- كنت بحسبها كدا
* وإيه اللى حصل ؟
- اول يوم شغل لى لبست هدوم حلوة اللى كان جايبهالى أبويا الله يرحمه وسرحت شعري واخترت مدينة نصر علشان ناس هايصة ودخلت أول قهوة بالمناديل علشان استفتح وفجأة لقيت صاحب القهوة بيشتمنى وطردني برة وقالي إشكالك ما بيخشوش قهوتى
* دى اكتر إهانة أثرت فيك ؟
- لأ طبعا اللى مآثر فى أوى ان كان لى صديق حاسيت انه بيتهرب منى صممت أقابله واعرف السبب فقالي بصراحة شغلتك دى ح تعرنى . وموقف تانى فى مرة وأنا سارح باللب دخلت قهوة لقيت اخويا فيها رحت اسلم عليه مرضاش يسلم على وسط صحابه ولما عاتبته قالي أمشى يا مهزئ .
*وأحسن حاجة فى شغلتك اية ؟
- أنى مش محتاج لحد وأنا اللي بدى لأمى واخواتى . وكمان في شغلتى حاجة بحبها أنى بفضل ألف فى الشوارع اصل وأنا صغير ماكنتش بخرج من البيت خالص وماكنش لى ولا صاحب يعنى كنت معزول عن الدنيا دلوقت أنا فى قلب الدنيا
* تذكرت جملة قالها لى نبيل قبل الحوار لها دلاله فسألته عنها ؟
- الجنية بيقول الحقيقة يعنى لو معايا عشرة جنية ممكن اعرف اللى قدامى بيحبنى ولا طمعان فى وبيحقد على . بصراحة انا بحترم الجنية وبطاطى للى يسوى واللى مايسواش علشان الجنية هو اللي بيأكلنى وييلابسنى
* وإيه الحلم اللي نفسك تحققه فى الدنيا ؟
( عند هذا السؤال وجدت نبيل بدأ ينتبه وتغير نبرات صوته واستقام ظهره وطلب منى لأول مرة فى الحوار أن اذكر اسمه كاملا وهو يبوح لى )
- أنا نفسي أمثل وعلى فكرة وأنا فى ابتدائي كنت بامثل فى كل حفلات المدرسة وكنت باعمل أنى باعيط للمدرسين علشان يضربونى باراحة وكانوا بيصدقونى .
* ثم اعتدل نبيل وكأنه سيقرر أمر هام
- والله العظيم يا بيه أنا بمثل أحسن من ممثليين كتير فلقوا دماغنا بأفلام هايفة.
ثم بدأ بنبيل يحلل بعمق الأفلام التى يحبها مثل فيلم حين ميسر للمخرج خالد يوسف الذي يعجبه لأنه يجسد واقع الغلابة وكذلك أحب فيلم هى فوضى للقدير يوسف شاهين وفوجئت بغزارة معلوماته عن السينما الأمريكية التي يعرف نجومها ومخرجيها ومنتجيها ويتحدث عن أفلامها كخبير . ثم توقف عن الكلام وكأنه تذكر شئ أحزنه
* مالك يا نبيل ؟
- فى مرة قابلت فنان كبير كان باكل عند كبابكى مشهور فى السيدة ولقيتها فرصة وفضلت أتحايل عليه يشوفلى فرصة ولما طلب منى امثل اخترت أصعب مشهد جه على بالى وكان عبارة عن شخصية بتعيط وبتضحك فى وقت واحد واندمجت فى الدور لدرجة أن جسمي أرتعش وفقت من اندماجي على صوت ضحكه العالى وهو والبنت الفرفورة اللي معاه .
* ولم ينسى نبيل ان يطلب منى لو جائتنى فرصة للتمثيل له أن ابلغ عم سعيد بتاع الفول الذى نجلس عنده لأنه يمر عليه كل يوم
*ورأيك إيه فى البياعين الغلابة زمايلك ؟
- مش كلهم طيبين صحيح فيهم واحد ساعدني كتير بس كان بياخد فلوس فردة من بياعين تانية وكمان كان بياخد عرق واحد عند متخلف عقلى . تصدق ان فيهم بيتخانقوا مع بعض علشان من فيهم ياخد حته اكبر من الرصيف علشان يفرش عليها بضاعته أو ينام عليها . لكن اكتر واحد أذاني من البياعين كان بياع جرايد .
*عمل معاك إيه ؟
-كنت فى الوقت دا ببيع جرايد لقيته واقفلى وقالى أنت كدا بتاخد لقمة عيشى حاولت معاه انه يسبنى استرزق لكن صمم انه يمنعنى . ولما صممت وسرحت بالجرايد لقيته وقفني وضربني بمطوه فى رقابتى وهددنى ان المرة التانية حا يخلص على . ولما روحت البيت ماعرفتش ابلع لقمة لان ريقى نشف زى الحجر وحاسيت أن فى معدتى نار وفضلت عيان فى البيت لغاية لما الحزن نطر حبوب على جسمى ساعتها روحت للدكتور قالى ماتكلش إلا جبنة وعيش ونصحني أنى أرمى همومي على الله علشان يسترها معايا
* أنت حاسس أن ربنا واقف معاك ؟
- دايما ووسط الشقا بحب أفرج عن نفسي واعد أفضفض معاه وترجاه يقف جانبي ويدافع عنى وياما دافع عنى فى أزمات كتير زى أزمة بياع الجرايد هو اللي نجاني منها وخففني
* ومين اللي ظلمك ؟
-المجتمع ظلمني فى كل حياتي وكمان أنا ظالم نفسي .
* ازاى ؟
_ أنا ظالم نفسى لأني حرمتها من متع الحياة لدرجة أنى كنت بحب بنت ونفسى أتجوزها وقطعت علاقتى بيها علشان معذبهاش معايا . يعنى ظلمى لنفسى غصب عنى . عارف يوم فرح حبيبتي كأنك قطعت قلبى بسكينة
* أردت ان اخرج نبيل من حالة الشجن فسألته عن ماذا يعنى له بكرة فأدهشني بهذا الحلم السينمائي
_ بحلم اصحي بكرة وأمشى ساعة الفجر والمطر نازل كتير وأدامى الطريق كله مفروش خضرة وتطلع على الشمس بحياة جديدة .
مضروب بورصة
منذ تخرج وائل فى كليته منذ أربعة عشر عام وهو ينطلق كالسهم في طريق تطوره . فى البداية اعتمد على علاقات والده كضابط مخابرات وبدأ مشواره العملي فى شركة كبيرة وتزوج ثم شارك آخرين في تجارة الأدوات الكهربائية ثم توسع هو وآخرين في تجارة الجلود ثم بأسرع مما يتصور خسر كل شيء وعاد لنقطه الصفر ويعمل الآن في عمل مؤقت لكي بأمن بمصاريف بيته الضرورية لذلك كان على أن أقابله واعرف ما حدث
* خسرت أد إيه ؟
- خمسمائة ألف جنيه
* فين ؟
- فى البورصة
* أزاي ؟
- الحكاية بدأت أن تجارة الجلود كانت ماشيه معايا كويس وكونت منها مبلغ وسمعت عن مكاسب البورصة قلت أجرب بجزء واشتريت أسهم بخمسين ألف جنيه ولعبت معايا وكسبت منهم 12 ألف جنيه
* خدت فلوسك ومكسبك ؟
- لا هنا بقى سحر البورصة انك لما بتكسب مابتخدش لكن بتزود دا اللي حصل اشتريت أسهم اكتر
* كسبت ؟
- طبعا يكفى ان كل يوم بروح ساعة أو ساعتين اكسب ألف جنيه وأمشى
* وتجارتك وشركتك ؟
- بدأت أصفى وادخل بكل فلوسي البورصة مكاسب مهوله وسهلة ولا المخدرات
* أمال إيه اللي حصل ؟
- اللى حصل لعبه كبيرة عملتها الحكومة ورجال أعمال كبار خربوا بيت ناس بسيطة كتير زى حالتنا
* مش مشكلة البورصة دى عالميه ؟
- لأ البورصة عندنا اتضربت من 5 شهور قبل انهيار البورصات العالمية باظبط بعد قرارات احمد نظيف بزيادة أسعار الطاقة على مصانع رجال الأعمال وبعد كدا جت الأزمة العالمية ضربت كل حاجه
* أزاي ؟
- لقيت أسعار الأسهم بتاعتى نزلت من 70 جنيه إلى 56 جنيه
* مابعتش ليه ؟
- أستنيت أنها تطلع
* طلعت ؟
- لآ نزلت 49 جنيه
* بعت ؟
- لآ قلت يمكن تطلع 56
* وبعدين ؟
- نزلت لأربعين
* مش غريبة ؟
- أمال لو عرفت انى فضلت استني السهم يطلع لغاية لما نزل سعره 17 جنيه
* ممكن تقنعني عملت كدا ليه فى نفسك ؟
- البورصة دي أمار رغم أنها حلال دينيا لكنها لعبة أمار. بيفضلوا يضغطوا على الناحية النفسية والطعم اللى بيشدوك بيه هو المكسب السريع
* شفت بنفسك ناس خسرت ؟
- كتير وإحنا جانبيهم ولا حاجة
* زى مين قولنا نماذج ؟
- زى واحده اسمها صباح جت من ليبيا معاها ثلاثه مليون جنيه خسرتهم كلهم وواحد اسمه جورج كان صاحب محل ذهب باع المحل ودخل بكل فلوسه البورصة خسرهم ودلوقت شغال سواق تاكسى واحد اسمه الشيخ مصطفى كان معاه أربعه مليون جنيه فضل يكسب لما بقوا ثمانية ونصف بعد كدا خسر لغاية لما بقوا اثنين مليون استلف أسهم بضمانهم وفضل يخسر لغاية لما بقى مديون بمبلغ 56 ألف جنيه وعنده تسع أولاد ومش عارف يجوز بناته .
* شفت حالات انهارت بعد خسارتهم في البورصة ؟
- واحد خسر كل فلوسه جاتله لوسة فى عقله قلع كل هدومه ونزل يجرى عريان في الشارع وواحد كان معاه 12 مليون وكسب وخلاهم 20 مليون وفجأة خسرهم مات أدام الشاشة . غير ناس كتير كانوا واخدين فلوس من ناس تشغلها فى البورصة وكاتبين على نفسهم شيكات وخسروا كل حاجه ومرفوع عليهم دلوقت قضايا وطفشوا من بيوتهم وغيرهم كثير من أساتذة جامعه ومستشارين .
* كل دول مضاريب بورصة ؟
- أيو لأنهم شافوا سهم ثمنه جنيه فضل يطلع لما بقى ثمنه 275 جنيه وبعدين رجع فى ثلاث شهور بقى 51 جنيه
* هى البورصة سحراكم ؟
- أيو بدليل ياما ناس أتحايلت على علشان اخد فلوسهم اشغلها فى البورصة
* سبب سحرها إيه ؟
- طمعنا ونصب الحكومة شرف الإعلانات اللى بيكلوا بيها عقول فيه إعلان ببقول سهم فى الأيد أنت مالك ومستفيد يعنى بالعربي الناس تطلع فلوسها من البنوك اللى فوايدها 10 % وتروح البورصة اللى مكاسبها تسحر وفجأة يخسروا كل حاجه .
* خدت فلوس من حد تشغلها ؟
- خدت ورث مراتى وخدت فلوس نهاية خدمة أبويا
* ليه ؟
- اشتريت بيهم أسهم تعوضنى خسارتى
* عوضت ؟
- خسرتهم برضه
* فكرت ترجع لمشاريعك وتجاربك تانى ؟
- ماينفعش
* ليه ؟
- لأنه سوق الجلود اضرب سعره ورخص سعره لربع تمنه وماحدش بيشترى حاجه وكمان ما عدش عندى أى دافع للشغل بعد ما خسرت شقى 14 سنه لسه ح بدأ تانى من جديد ماينفعش
* وناوى تعمل ايه ؟
- اجمع فلوس وارجع البورصة
* تانى ؟
- مافيش حاجه فى الدنيا ح تعوضني خسارتي إلا البورصة يكفى أن مكاسبها اكتر وأسرع من المخدرات
* مكسب سريع وخسارة أسرع ؟
- ولو لكن فيه أمل المكسب وإحنا بنلعب على الأمل دا .ربنا على الأرض
بلهفة ننتظر أنا ومجموعة من الأصدقاء مساء الخميس من كل أسبوع لنرمى هموم الحياة من على قلوبنا ونندمج فى ضحكات وقفشات تبهج الروح. وفجأة أنقطع عن الجلسة أحد الأصدقاء الذي تربطني به صداقة منذ طفولتنا. عبثا حاولت الاتصال به فوجدته غير رقم محمولة وباع شقته فى 15 مايو وظل مختفيا لعدة سنين وما أن ظهر حتى كشف لى ما حدث.
* فينك يا فؤاد ؟
_ طفشت أنا وولادى وعشنا فى الشرقية
* ليه ؟
_ بسبب رئيس المباحث
* ياريت تفهمنى الحكاية من الأول ؟
_ الموضوع بدأ مع واد أد ابني بيشتغل مرشد وفاتح محل بقاله وراحلة أبنى الصغير عمره تمن سنين وباين أن أبنى وقع حاجة من المحل أم ضربه الواد المرشد ومن هنا أتفجرت المشكلة
* أزاي ؟
_ كان أبنى الكبير عمره عشرين سنة واقف فى البلكونه وشاف أخوه الصغير بينضرب نزل جرى ونزلت ورآه لقيت المرشد وواحد معاه بيضربوا أبنى الكبير قمت ماسك فيه لقيته دخل المحل وجاب سكينة وضربني فتح رجلي
* وبعدين ؟
_ أتجمعوا الناس وبعدونا عن بعض وأنا خدت ولادى وروحت
* وليه ما عملتلوش محضر فى القسم ؟
_ أنا ماليش فى المشاكل ورغم أنى أضربت أنا وولادى من واد أد أبنى قلت ألم الموضوع وياريت دا عجبه
* كمان ؟
_ مفيش دقايق ولقيت ميكروباص فيه أمناء شرطة طلعولى فتحت لهم مراتى سألوا عنى جات تنادينى من أوضة بغير فيا بنطلونى المقطوع من السكينة خرجت لاقيت مفاجأة
* إيه هي ؟
_ لاقيت أمناء ومناديب شرطة صغيرين فى السن واحد فيهم ماسك سكينة كانت مراتى بتقطع بها خضار قبل المشكلة وماسك فى الأيد التانية عصاية شمسية بنزنق بها الباب
* ليه ؟
_ علشان يلبسوني قضية ؟
* أزاي ؟
_ أمين الشرطة قالى دى العصاية والسكينة اللى أنت أتخنقت بيهم قامت مراتى صرخ فيهم قالت لهم انتم جايين ترموا بلاكوا علينا. يقوم أمين الشرطة المحترم يعمل أيه
* عمل أية ؟
_ شتم مراتى وعاوز يضربها فى بيتى . قمت ماسك فيه لقيت كل أمناء الشرطة بيضربونى أدام مراتى وعيالي وجرجروني لرئيس المباحث اللى شغالين معاه.
* وبعدين ؟
_ رحنا القسم مالاقوش رئيس المباحث نزلونى عند ضابط الاستقبال طلع أبن حلال
* مشاك ؟
_ لما حكيت ليه كل حاجة وتقريبا شاف أنى راجل كبير وماليش فى المشاكل بعت جاب الواد المرشد وسأله قام قال أنى ضربته وعاوز يعمل تقرير طبى . لقيت الضابط الطيب بيشخط في
* ليه بقى ؟
_ قالي أنت مافكش حاجة فكشفت له عن القطع الذي فى رجلي فقالي من مصلحتك تعمل بيه تقرير طبي
* وبعد التقرير حصل أية ؟
_ الضابط الطيب أعتذرلى انه لازم يدخلني أنا والمرشد الحجز علشان نتعرض على النيابة تانى يوم
* وعملت أيه مع السوابق اللى فى الحجز ؟
_ تصدق أنهم طلعوا عندهم رحمة عن اللى بره
* معقولة !
_ أول لما عرفوا أنى مدرس ثانوي وهو مرشد رزعوه علقة وفضلت معاهم لغاية لما أتعرضنا على وكيل النيابة.
* موقف وكيل النيابة معاك إيه ؟
_ سألنا سؤالين أنا والمرشد وخرجنا لقينا معمول لينا قضية أنا بالعصاية وهو بالسكينة رغم أن الأتنين من شقتي . ومشيت القضية وخرجت أنا والمرشد من القسم.
* وليه ماتمسكتش بحقك وقولتله كل حاجة ؟
_ الوحيد اللى سمعنى وزير الداخلية
* ووصلتله أزاي ؟
_ مراتى كتبت له استغاثة وحكت له عن بهدلتي وبعتتها فى فاكس.
* رد عليكوا أمتي ؟
_ تانى يوم لقينا تليفون من مقدم شرطة وقال انه جى من الوزارة علشان يحقق فى شكوتنا وطلب حضور مراتى معايا لأنها اللى كتبت الشكوى.
* حسيت بايه فى الوقت دا ؟
_ بصراحة خفت أروح القسم فى الميعاد إلا وأنا معاي محامى.
* وعملوا أية معاكم فى القسم ؟
_ لقينا ظابط من القسم فى انتظارنا وصمم نشرب حاجة ودخلنا للمحقق اللى اتصل بينا
* وجاب ليكم حقكم ؟
_ قال أنا مش ح تحرك إلا لما تاخدوا حقكم بس الأول اقعدوا مع رئيس المباحث ولوا ماحلش الموضوع تعالولى
* وأيه علاقة رئيس المباحث بالموضوع ؟
_ أصل أمناء الشرطة اللى ضربوني بيشتغلوا معاه وعمرهم ما ح يعملوا حاجة إلا بآمرة
* وحل المشكلة ؟
_ أبدا دخلنا مكتبه قام تجاهلنا وفضلت قاعد أنا ومراتى وهو بيحقق مع ناس أدمنا بطريقة غريبة جدا وكأنه بيعمل لينا كارت إرهاب.
* أزاي ؟
_ يعنى قال لواحد تطلع من هنا تعزل من مدينة 15 مايو وعرفت بعد كدا ان الراجل عزل فعلا . وكأن رئيس المباحث ربنا على الأرض لدرجة ان محامى كبير رفض يجى معانا خوفا منه والمحامى اللى قبل يجى خد مننا الفلوس وجهه أدماه فضل يشكر فيه. ولما الموضوع سخن طلع جرى على بره خاف نتحبس أحنا وهو .
* المهم عمل معاكم إيه ؟
_ بعد فترة طويلة بصلنا قالنا انتم عاوزين أية. مراتى قالتله عاوزين حق جوزي اللي اضرب من رجالتك أدام ولاده. قالها ح تاخدوا حقكم من مين دا أحنا الحكومة.
* وكان ردك أية ؟
_ مراتى هى اللى صرخت فيه وقالتله إذا كنت أنت الحكومة فجوزى مدرس ثانوى واشرف منك ومن كلابك اللى ضربوه وح نعرف ناخد حقنا منكم. وسبنا مكتبه ومشينا.
* وبعدين ؟
_ لقينا نائب المأمور والمأمور ورانا فى الشارع وبيستأذنونا إننا نرجع.
* والمحقق بتاع الوزارة عمل إيه ؟
_ كتبلنا محضر زى ماحنا عاوزين وحول المحضر للتحقيق.
* أمال هربت من شقتك ليه ؟
_ لأن بعد المحضر دا بدأت التهديدات من رئيس المباحث وأمناء الشرطة
* بيهددوك بأية ؟
_ بولادى وبعد ما عرفت أنهم عذبوا راجل فى قسم من الأقسام ورموه من سطح القسم ونزل ميت خفت على عيالي وبعت الشقة وهربت فى مكان ما يعرفنيش فيه حد
* وشغلك ؟
_ كنت بسافر كل يوم أنا وأبنى من الشرقية للقاهرة رايح جاى هو للكلية وانا لشغلي.
* وجبت مصاريف لكل دا منين ؟
_ صرفنا تمن الشقة وقرشين بساط كنت شايلهم للزمن.
* والقضية وصلت لأيه ؟
_ واحد شغال فى المحكمة قالى ممكن أشلك القضية وخلاني أجيب حاجات بتلات تلاف جنيه.
* جبت أيه ؟
_ نزلت معاه خلانى اشترى مراجع قانونيه وأكل فاخر وقام وخده منى ووصلهم.
* لمين ؟
_ والله ماعرف المهم أن القضية اتشالت أزاي ماعرفش.
* مش يمكن نصب عليك والقضية كانت خلصانه عند وكيل النيابة ؟
_ والله ممكن أصل لغاية دولقت ما قرتش صفحة واحد فى القضية اللى خربت بيتى .
* وليه رجعت تانى لنفس المكان ؟
_ لما عرفت أن الوزارة حققت مع رئيس المباحث ونقلوه هو وأمناء الشرطة
* وحسيت بنقله انك خدت حقك ؟
_ أولا يشكر الوزير ويشكر كل اللى ساعدوني فى وزارة الداخلية لكن نقل رئيس المباحث بكل امتيازاته لمكان تانى عمره ما ح يعوضنى حياتي اللي أتخربت ولا شقتي الليضاعت منى وزاد تمنها لست أضعافها ولا كرامتي اللي أتهانت بضربي من أمناء الشرطة أدام ولادى ومراتى .
منك لله يا إسماعيل
أثناء مروري فى ميدان باب اللوق عائدا من عملي متعبا رأيت سيدة تمشى خلف زوجها وقد تحول فمها لرشاش شتائم . وبينما هى تواصل تجريحه كان هو يواصل السير ممسكا ثلاث أولاد أكبرهم فى التاسعة من عمره مكتفيا كل فتره بأن يتوجه للسماء بوجه الطفولى وبصوت فد خنقه الغيظ قائلا
_ منك لله يا إسماعيل أو الله يخرب بيت أمك يا إسماعيل .
أقترب منى رجل يتسول فى الميدان قائلا
_ الوليه دى ماسحت بكرامة جوزها الأرض . وأثناء حواره معى وجدنا الزوج يقف عند إشارة مرور وظل يصرخ فى زوجته كالمجنون
_ حرام عليك ياشيخة جبتيلى الضغط والسكر ومصممة تجبيلى ذبحة صدرية
ثم اطلق صيحته التى تكررت كثيرا
_ ربنا يشلك يا إسماعيل .
اقتربنا منه بسرعة أنا والرجل المتسول وسيدة عجوزة طيبة وحاولنا تهدئته
*طالما عارف ان ممكن يحصلك حاجة ياريت تهدى
نظر لى الرجل الذى لاحظت انه تخين جدا لكن ملامح وجهه نوحى بطيبة شديدة وصرخ
_ صدقنى هى مصممة تشلنى وعارف بتقولى إيه لما تتشل حارميك لامك وأخواتك يخدموك .
أثناء تهدئتي له كانت السيدة العجوزة تقوم بدورها فى تهدئة الزوجة التى تحولت منذ وصولنا لقطة وديعة لدرجة إنها ارتمت فى حضن السيدة العجوزة وظلت تبكى بصطناع ظاهر . ولكى تكسب تعاطفنا ظلت تشكو وهى مرتمية على صدر السيدة موجه كلامها لنا قائله
_ يرضوك يا جماعة يجيلى كل يوم من الشغل الساعة اتناشر بالليل دا حتى تقديم مدارس العيال أنا اللى بقوم بيه يعنى عايشة راجل وست فى البيت
صرخ الزوج وقد احمر وجه
_ ما تكذبيش وبلاش أفترى علشان تكسبى تعاطف الناس هو فيه محاسب فى بنك بيشتغل لتناشر بالليل .
فرد عليه الرجل المتسول قائلا .
_ بصراحة أنا لى أخ محاسب فى بنك بيقوللى إنهم باعوا البنوك ومكفرين عيشتهم لكن مش لدرجة انهم يشغلوهم لنص الليل
وهنا تدخلت السيدة العجوزة قائلة
_ ولو يا بنتى هى حل مشاكلك بلم الناس عليكم كدا .
ووجدتها الزوجة فرصة فقالت
_ الأستاذ المحترم هو اللى فرج علينا الناس وشتمنى فى فى الشارع .
فتدخلت قائلا
_ بصراحة يا مدام انا شايفك من فترة وأنت اللى بتشتمى فيه
فوجهت سهام كلامها لنا قائله
_ ماهو خلاص ضحك عليكم أكلكوا البسبوسة .
ونظرت لأولادها وطلبت منهم الانصراف معها ففوجئنا بأن الثلاث أولاد يحتومون فى حضن أبيهم رافضين الذهاب معها
فقتربت من زوجها صارخة فيه
_ خلاص كرهتهم فى .
فصرخ فيها الرجل
_ غبائك وقسوتك هى اللى كرهتهم فيك .
ثم نظر الرجل لى قائلا
_ المدرسة الفاضلة لما بروح الشغل بتفضل تضرب فى ابننا الكبير علشان شكلى ثم رفع تشرت ابنه فوجدنا علامات زرقاء لضربات قاسية .
فصرخ الرجل بصوت يخنقه البكاء
_ بتجلده
تذكرت ابنائى فى المدارس وسألت الزوجة
* أمال بتتعاملى ازاى مع الولاد فى المدرسة ؟
فقالت بمسكنة مصطنعة
_ يعلم الله إنى باعملهم زى ولادى
ساعتها شعرت بنغصة فى قلبى على أبنائنا
وواصل الزوج شكواه
_ والله العظيم ما عاوز اقولكم بقيت اللى بتعمله فى أنا والأولاد لما خلت حياتنا جحيم بدل ما نحمد ربنا على النعم اللي إحنا فيها ونربى العيال مصممة تحول كل ثانية لصراخ وندب وشك .
عندئذ تنمرت الزوجة بطريقة تكشف عقد نفسها قائلة له .
_ قلهم هما روخريين على اخص خصوصيات حياتنا زى مابتروح تكشفها لأمك وزمايلك .
وفاجئها الزوج بقلم على وجهها قائلا
_ أنا ياسافلة بقول أسرار أوضة نومي لزمايلى ( وأشار بيده بحركة خارجة ) وكانت المفاجأة لنا بعد القلم أنها تحولت لقطة وديعة وعندما أشار لتاكسي ركبت بانكسار. وقبل أن يهم بالركوب أطلق صيحته بغيظ
_ يارب أتوبيس يهفك يا إسماعيل .
هنا اصريت على سؤاله من هو إسماعيل هذا فقال
_ إسماعيل دا أخوها وزميلي فى الشغل وكانت قاعدة عنده وتسببت أكتر من مرة فى مشاكل له مع مراته وعشان بيته ما يتخربش قام جوزهالى .
وبعد أن ابتعدت بهم السيارة فوجئ بى الرجل المتسول والسيدة الطيبة أتوجه للسماء بقلب مفروس قائلا
_ الله يخرب بيت أمك يا إسماعيل .

ست الكل
عندما شاهدته بعد غيبة تمسكت بالاطمئنان عليه وعلى أبنائه وخاصة بعد رحيل زوجته التي كنت اعرف عمق وروعة علاقتهما .
* عامل إيه أنت وأولادك يا ياسر ؟
_ تعبان قوى لكن مصمم اعمل لولادى أفضل حاجة
* وإيه اللي تاعبك ؟
_ غياب رمانة الميزان فى حياتى كلها
* رحيل مراتك سبب كل الفراغ دا ؟
_ أنا مش حا قولك دنيا كاملة راحت منى لكن اللي أنا حاسة أن الدنيا موجودة لكن فجأة أطفت على كل أنوارها وسكتت كل أصواتها ووسط مفاجأة الصمت والسكون والضلمة ممكن جدا قبل ما تدرك ايه اللى بيحصل وليه تكون فقدت عقلك وبصراحة دا حصل معايا
* أزاي ؟
_ بعد موت سناء ما كنتش طايق أشوف حاجة خالص فى الدنيا حتى ولادى وكنت بلبس هدوم مبهدلة وأروح أقعد على رصيف جامع السيدة جنب المجاذيب وكل اللي كنت بعمله أنى أحط راسى بين ايدى علشان ما تنفجرش وعلشان ما شوفش حد ولا حد يشوفنى وروح على ميعاد النوم
* وازاى قدرت تخرج من الحالة دى ؟
_ خرجت لأن عندى أمانة عاوز أنفذها
* هى إيه ولمين ؟
_ ألأمانة هى نجاح ولادى وبحققها علشان سناء لأنها ساعة ما عرفت بقرب النهاية قالتلى اقبض على ولانا بصوابعك العشرة
* عاوز اعرف يعنى أية ولادك أمانه ؟
_ طبعا هما ولادى لكن الدافع الطاغي علشان اعمل لهم كل حاجة هو أنهم أمانة وعاوز أحققها ويوم تخرجهم أروح لسناء قبرها وأقولها حققتلك الأمانة ياست الكل
* رحتلها القرافة كام مرة ؟
_ صدقنى مش قادر أروح لها لان زيارتها فوق احتمالي لكن صدقنى كل ما بتوحشنى بتجيلى في احلامى .
* ازاى ؟
_ فى مرة كانت وحشانى قوى لقيتها جتنى فى الحلم قولتها احضونينى قامت حضنانى قوى ولما خفت على العملية اللى فى بطنها قوتلها حاسبى قامت ضاحكة ضحكة حلوة وقالتلى انا خلاص خفيت .
* وأجمل حلم شفته ليها كان أية ؟
_ حلمت مرة إن باب الصالة كان مقفول فتحته لقيت الصالة كأنها مقسومة نصين نص جميل ومبهج ونص باهت وهى بتتمرجح فى النص المبهج وكانت طفلة وشعرها الأسود الجميل عمال يطير وكانت المرجيحة متزينة بالورود وكأنها فى جنينة ولما خفت عليها من المرجيحة علشان عملية بطنها وروحت امسك المرجيحة لاقتنى مش قادر اخش النص المبهج اللي هي فيه وعمالة تلعب وتضحك ومش شيفانى ولا سمعانى وأنا واقف فى النص الباهت
* حسيت بأية بعد ما صحيت من الحلم ؟
_ فرحت جدا لأنها كدا تبقى فى الجنة وتخلصت من كل آلامها .
* ليه حاسس إنها فى الجنة ؟
_ ومتأكد ان ربنا حا يخليها فى منزلة رفيعة .لأن كل الصفات الحلوة كانت فيها الامانة بمعناها الواسع . النضافة يكفى أنى كنت ادخل بيتنا البسيط أحس أنى داخل قصر من نظامه ونضافته وريحة البخور .صدقنى كنت بعشق أشم ربحتها وبمتع عينى بمنظر جمال ولادنا . عمرها ما عملت لى مشكلة مع جارة لأنها عمرها ما أدخلت فى شئون حد ولا سمحت لحد يدخل فى شئون حياتنا ولا خلافاتنا حتى أهلها .
* بصراحة يا ياسر دى كانت مشاعرك ليها وهى عايشة ولا عرفت قيمتها بعد رحيلها ؟
* أولا اللى تعرف قيمته بعد ما يضيع منك دا حا يبقى إحساسك ناحيته احساس عاطفى وحا يضيع لأنه من غير أساس لكن سناء كنت حاسس بقيمتها من أول يوم فى حياتى لأن كل حاجة حلوة كانت بسببها . هى اللى خلتنى أخد بكاريوس وهى اللى ساعدتنى ناخد ارض فى مشروع شباب الخرجيين وهى اللى ساعدتنى ناخد شقة وعربية .وهى اللى عدت معايا كل الظروف الضنك وهى سبب كل سعادة حياتنا .
* يعنى ماكنش ليها عيوب خالص ؟
_ بصراحة ليها لكن بالمقارنة بكل صفاتها الحلوة لا تذكر . مثلا كانت بتفتش احيانافى هدومى على بقايا روج لوحده وكان ردى عليها لو تعرفى قدرك وتقديرى لك عمرك ما كنت تفكرى كدا ابدا . لكن كان اكبر سبب لخلافاتنا هو أهلها اللى كانت بتديهم من جهدها وشقاها وأنا كنت شايف إنهم بيمصوها حتى بعد ما تعبت .
* هى تعبت بإيه ؟
_ جالها اخطر أنواع السرطان وكان للأسف بياكل جسمها وفضلت لمدة سنتين بتعمل عمليات شالت فيهم الرحم استأصلت أجزاء من جسمها .
* أتعاملت مع المرض الخطير ازاى ؟
- هى طول عمرها ست محترمة لكن بعد المرض قربت اكتر من ربنا وكتر قرايتها للقران وكترت صلاتها لدرجة لما كنا بنروح المستشفى ووسط آلامها كانت الناس تتلم حوالين سريرها وهى تقولهم أحاديث وأدعية .
* أمتي حاست أن نهايتها قربت ؟
_ صدقنى طول عمرها بتقلى انها مش حا تطول فى الدنيا وأنا كمان كنت حاسس إنها حا تتاخد مننا لأنى مؤمن بقول ماثور هو انه ماكتمل شئ إلا ونقص
* وانت كان موقفك إيه فى مرضها ؟
_ أولا قعدنا سنتين مافيش حياة زوجية لكن كنت بنام كل يوم تحت رجليها علشان لو صحيت أو أتألمت أحس بيها وكان نفسى اعد اخدمها طول العمر بس تفضل معانا .
* ايه أكتر حاجة افتقدتها برحيلها ؟
_ أمومتها لأن اللي عملته معايا ما تعملهوش إلا أم لأبنها اللي بنحبه دا غير السعادة والمتعة والراحة ورجاحة العقل اللي كانت دايما بتوجهنى بيها . بصراحة إذا كان الواحد مسموحلوه بأربع زوجات فنا كنت متجوز بسبعين واحدة متجسدين فى المرحومة سناء اللي باعتبر جوازي منها دعوة الخير من أمي .
* وحياتك دلوقت ؟
_ كل يوم اسود من اللى قبله .
* يعنى مش حا تفكر تتجوز؟
_ والله لو لقيت واحدة فيها ربع مميزات سناء حا حجزها لأبنى علشان أسعده لكن بالنسبة لى لولقيت زيها ودا مستحيل عمرها ما حاتكون أم عيالى لان أمهم لسه عايشة وغلوتها بتزيد فى قلبى ولوجيت تكلمنى عنها بعد عشرين سنة حا قولك عنها أفضل من كدا بكتير لأنها فى الحقيقة هى أحسن من كل اللى أنا قولتهولك لأن مشاعرى ناحيتها صعب أترجمها لكلام .
* ازاى فاتوا سنتيين غيابها ؟
_ أولا فاتوا سبعتاشر سنة جواز زى الحلم والله ما حسيت بيهم وفاتت السنتيين تقال كأنهم دهر وكل ما توحشنى أروح أشوف واشم لبسها وجمعت خصلات من شعرها من تحت السجادة وشلتهم فى بطاقة شيك ووجمعت كل صورها حتى حزمة الخطوبة ولأنها كانت بتحبها حافظت عليها
* وبتتعامل إزاى مع ذكرياتها فى بيتك ؟
_ من ساعة موتها عمرى ما دخلت اوضة النوم وبنام على كنبة برة .
* تحب تقولها إيه وتتمنى يوصلها ؟
_ رغم إيماني بقضاء الله لكن لو خيروني كنت أتمنى أموت أنا لأن فى وجودك حياة ولادنا والحياة عموما كانت حا تبقى أطيب وأسعد والى لقاء ياست الكل أتمنى أنه يكون قريب علشان نكمل حياتنا السعيدة سوى فى دار الخلد .
أم على
بعد شرائي للجرايد من ميدان التحرير لفحتني نسمة هواء منعشة رطبت روحي الملهلبة بصيف شهر يوليو لكنى أفقت على سيدة فى حوالي الخمسين من عمرها تفتح صندوق الزبالة الخاص بأحد سلاسل المطاعم العالمية وتخرج منه زجاجات المياه الفارغة وتضعها بنظام فى شنطة بلاستيك كبيرة . ثم ضربت يدها المدربة داخل الصندوق وظلت تتحسس وخرجت بجناح فرخة تهلل معه وجهها المتعب تحت نظارتها السميكة ووجدتها تنطلق بسرعة بين السيارات وهى تنفض جناح الفرخة مما علق به من زباله وتجلس بالقرب من جامع عمر مكرم تاكل بتلذذ . تركتها حتى أكلت واقتربت منها وأعطيتها بضعة جنيهات قليلة حتى لا تهرب منى وسألتها عن شغلتها فقالت
_ بلم ازايز فاضية وبعها فى سوق الجمعة التمانية بجنيه من المقاس الصغير والخمسة بجنيه من الكبيرة .
بدأت وهى تكلمنى تخرج الزجاجات وتنفخ فيها وإذا وجدت زجاجة مخرومة ترميها فى الحديقة بجوارنا . ووجدتني محاطا بكم كبير من الزجاجات السليمة التي رصتها حولنا
* أيه تانى بتخديه من الزبالة
_ لو لقيت أكل بنفضه وكله وعلى فكرة أنا لسة لقية حتت فرخة وكلتها ( لم اكشف لها ان اكلها من الزبالة هو دافع حوارى معها )
* وليه بتاكلى حاجات من الزبالة ؟
_ لانى بلاقى فيها حاجات كنت محرومه منها طول عمرى .
* ماتعبتيش مرة من الااكل دا ؟
_ فى مرة وقف واحد بعربية غالية قوى وفتح الإزاز وأدانى نص فرخة وكنت جعانة قوى وبعد ما كلت جريت على المستشفى لانها طلعت بايظة وما خدتش بالى من الجوع .
*ودخلك من الازايز بيكفيك ؟
_ لأ طبعا علشان كدا باقعد بالليل بمناديل وعلب البخور ( وبدأت تخرج لى علب البخور وتقولى على القروش البسيطة التى تكسبها من بيع كل علبة )
* بتشتغلى لغاية الساعة كام ؟
_ بشتغل لغاية وحدة او أتنين بالليل وأروح أنام واصحي على الضهر أصلى واكل لقمة وتوكل على الله أشوف رزقي .
* واسرتك فين ؟
_ انا عندى بنت متجوزة وواد متجوز .
* ساعدتيهم فى جوازهم ؟
_ طبعا الواد جبتله شقة دفعت فيها تمن تلاف جنية بس كتبتها باسمى والبت كنت جايبلها عزالها خدته من وراى واتجوزت واد صايع بيبيع مخدرات وسكنها فى أوضة تحت بير السلم وقرشه كله على كيفه .
* وولادك عاملين معاكى ايه ؟
_ بيشتمونى ويضربونى علشان ياخدو منى فلوس .
* وبتعملى معهم ايه ؟
_ باقلهم لو مكسحيين اديكم لكن وانتم بصحتكم كدا ازاى تناموا وانا اديكو شقايا
* وجوزك ؟
_ قطيعة ماله ؟
* لمؤخذة بسلامته فين ؟
_ مطلاقنى من تلاتين سنه
* ليه ؟
_ كان كل همه انزل اشتغل فى البيوت واجى ااكله وياخد مزاجه منى وسخنله الميه على الباجور يستحمى وينزل يسهر ويجى ينام لغاية لما طهقت وطلقت
* كان بيصرف على عياله ؟ اجبتنى بضيق
_ يابيه بقولك وهو معانا كنت بصرف عليه لما يسبنا حا يدينا ازاى .
* حد من اهلك بيساعدك ؟
_ طول عمرها عيله قاسية حتى وابويا عايش كانوا بيحبوا الصبيان ويكرهوا البنات . أصل انا بنت واحدة على تلات صبيان .
* ودلوقت انت عايشة فين ؟
_ صممت أخد أوضة بالعافية واعيش فيها وامى عايشة فى اوضة واخويا عايش بولاده الاربعة فى اوضه ونفسة يفتح عينه يلاقينى رحت فى داهية علشان ياخد الاوضة بتاعتى .
* وامك علاقتك بيها أيه ؟
_ أمى بقت ست كبيرة وعايشة على ستين جنيه ايجار شقة فى الدور الارضى شهر يدوها وتلاتة لأ والشهر اللى بتاخده من الايجار ولاد اخويا يسرقوه من كيستها.
* وأمك عايشة ازاى .
_ هى كل اللى عوزاه لقمتها ولما بجيبب لها علبة زبادى بتفضل جنبها طول اليوم ولما اطبخ يوم اجازتى الجمعة واديها يدوبك تاكل لقمة ولا لقمتين .
* بصراحة بتحنى عليها ؟.
_ بحن لكن عمرى ما بنسى قسوتها على ولما اقعد افكرها تقولى والله يا بنتى منى فاكرة حاجة .
* تفكريها بإيه ؟ تنهدت بحرقة
_ ياه دا كتيير قوى .
* زى إيه ؟
_ تصدق يا بيه ان فى شهر رمضان اللى الناس بتحلق على الغرب فى الشارع علشان تاكلهم كنت انا وعيالى عايشين فى شقة واحد مع ابويا وامى وهما يطبخوا لحمة وملوخية وانا وولادى بناكل فول وعيش باعافية وما يدوش لعيل لقمة .
* دى اكتر حاجة مزعلاكى ؟
_ لأ اكتر حاجة مش نشياها انى بعت اوضة نومى ب 28 جنيه علشان اعالج بنتى من حرق أمى السبب فيه .
* إزاى ؟
_ أمى كانت بتطبخ فرخة وبنتى راحت عندها وانقلبت حلة الشربة المولعة على صدر بنتى وكان عندها تلات سنين جريت كشفت عليها وكانت عاوزة علاج بستة جنيه ابويا ادانى تلاتة بالعافية وناس فى الشارع شحتونى اتنيين واصرفت فى جنيه وجبتلها العلاج . ولما الدكتور طلب نكرر العلاج ابويا زعقلى ومفيش حد وقف معايا من أخواتي قمت بعت أوضة نومى وعالجت بنتى .
* ودلوقت فيه حد بيساعدك معاش مثلا أو من أهل الخير ؟
_ اهل الخير دول طيارى لكن انا باخد معاش مبارك حوالى سبعين جنيه .
* اسمه معاش مبارك ؟
_ والسادات عايش كان اسمه معاش السادات ودلوقت مبارك . اللى موجود كله بيزمرله . حتى المدرسة اللى ادام بتنا فى امبابة سموها سوزان مبارك يعنى هى حتة فيها توبة .
* قبل ما تمشى عاوز اعرف منك إيه اللى بيسعدك فى الدنيا ؟
( تضحك بملامحها الحزينة )
_ طب قول إيه بيضايقك فى لقمة عيشك .
* خلاص قولى اللى عوزاه .
_ وح تقدر تطلعها فى الجورنان .
* لو حاجة على رئيس الجمهورية صدقينى حانشرها ( طبعا بقولها كدا ورجلى بتخبط فى بعض ) .
_ عارف اكتر حاجة بتأذينى هما ظباط وأمناء الشرطة كل يومين ياخدونى ويرمونا نبات فى الحجز .
* أخر مرة أمتى ؟
_ امبارح لسة خارج من قسم الازبكية وكان معايا سبعة جنينة الامين قالى حاشاهملك فى الامنات وانا خارجة لقيتهم اربعة .
* وإيه اللى بيسعدك ؟
_ بصراحة مفيش
* ليه ؟
_ لأنى قلبى اسودت وما عدتش بيشوف فرحه .
* من إيه ؟
_ من الحزن اللي أتولد وفضل معايا طول عمري .
نهت أم على جملتها ولمت زجاجتها مسرعة واستأذنت حتى تلحق صلاة العشاء
حوار مع واحد لامؤاخذة
مقدمة 1
فى حوالى الواحدة فجرا مررت عند بائع الجرائد والكتب عادتى المرضية واشتريت بأخر ما معى من جنيهات قليلة بعض الكتب والجرائد معتمدا على قدمى فى العودة لمنزلى . وما ان بدأت تصفح الجرائد حتى

مقدمة 2
حرصا على تنوع مواضيع الحوارات كان فى ذهنى أن اقترب من فئة منبوذة من مجتمنا وهى فئة لمؤاخذة المخنثيين أو المتحولين من صنف الرجال لصنف الحريم لذلك انتهزت فرصة موافقة احدهم وكان هذا الحوار السريع
* ممكن نتعرف ؟
رد على بمياصة ونعومة جعلتني أترحم على أنوثة المدام
_ أوى اوى .
ثم صحبنى برقة الى اقرب كافية وبادرنى ونحن فى الطريق قائلا
_ على فكرة انا اسمى ايمن والدلع إيمى وسألنى بإحساس انثوى وانت اسمك ايه؟ فأجبته
* محسوبك احمد . وأنت من كام سنة بتمارس الموضوع دا ؟
_ من ست سنين يعنى من وأنا عمرى تلاتشر سنة .
* وبدأ معاك ازاى ؟
_ لغاية تلاتشر سنة كنت طفل عادى جدا وبعدين رحت رحلة لإسكندرية عملتها المدرسة للتلاميذ المتفوقين فلقيت الأستاذ بيحضنى فى المية وبيلزق فى من ورى وبيحاول يعملى حاجات قلة أدب بعدت عنه .
* وبعدين ؟
_ فى الليل لقيته خرجنى وفسحنى برة المعسكر وادانى فلوس وبعدين خدنى لأوضته ومارس معاى الجنس لغاية لما عورنى وفضل يعمل كدا طول أسبوع الرحلة .
* وبعد البداية دى استمريت ولا وقفت ؟
_ استمريت معاه
* ليه ؟
_ فى الاول علشان الفلوس والفسح
* وبعد كدا ؟
_ علشان الفلوس وعلشان أنا بدأت أحب دا .
* والموضوع اتطور معاك ازاى ؟
_ أعدت سنتين أمارس الموضوع دا فى بلدنا المنصورة مع أكتر من واحد ولما حبيته واندمجت فيه سبت بلدنا وجيت على مصر من أربع سنين .
* ليه ؟
_ لأنى مش عاوز اهلى يكتشفوا الموضوع دا .
* ولو عرفوا ؟
_ يبقى حكمت عليهم بالاعدام اوحكمت على نفسى بالاعدام .
* ليه ؟
_ لأن أبويا وأمي طول النهار بيفضلوا يقولوا لخواتى البنات قال الله وقال الرسول علشان البنت فيهم ما تعملش العيب وتحب حد .
* ولما جيت القاهرة حصل إيه ؟
_ فى الأول كنت أهبل وبنام مع الرجالة بفلوس أو من غير فلوس .
* ودلوقت ؟
_ مش ممكن انام مع حد من غير فلوس
* ليه مش بتقول بقيت بتحب الموضوع دا ؟
_ بحبه وبستمتع بيه بس لازم اللى ينام معايا يدفع
* والسبب ؟
_ لأنى عندى مصاريف أكلى ولبسى وسكنى اجيبها منين وافرض جالى مرض وحش من واحد نام معايا اجيب فلوس علاجى الرهيب دا منيين.
* بمناسبة الأمراض اللى بتيجى من الموضوع دا بتحافظ على نفسك ازاى ؟
_ بص انا أى راجل بينام معايا بقوله انا حا اعملك كل حاجة بس اشترط عليه انه ما يوصلش فيه.
* ولو مرضاش ؟
_ بالسلامة وأشوف غيره الشغل كتير
* بعنى دى بقت شغلتك ؟
_ ايوة ويصرف منها على كل حاجة.
* طيب ليه ما حاولتش تشتغل شغلة تانية ؟
_ اولا مفيش شغلانه شريفة فى مصر. وبعدين لو لقيت شغلة حاخد كام واعيش منين,
* انت بتكسب كويس من الشغلة دى ؟
_ طبعا
* اكتر زبون خدت منه كام ؟
_ 1900 جنيه
* وليه اداك المبلغ دا ؟
_ لأنى متعته وطالما باخد حقى بتعامل بإحساس وبنفذ كل طلابات الزبون. عاوزنى البس قميص نوم وكلوت حريمى البسله عاوزنى اتشرمط ماشى.
* وأقل زبون بتاخد منه كام ؟
_ مش اقل من تلتميت جنيه.
* ولو معاه اقل ؟
_ لو صارحنى ممكن ابسطه واخليه يوصل فى عربيته من غير ما ينام معايا
* طيب لو اتفق معاك وبعد ما خلص دفعلك اقل ؟
_ مش ممكن اسيبه واكسرله الشقة واعمله فضيحة لغاية لما يتراجع ويدينى حقى.
* ما بتخفش ؟
_ من ساعة من نزلت اقف فى الشارع وانا عامل حساب كل حاجة وعارف أن الدنيا مليانه ديابة بس برضة فيها ناس طيبين.
* الشرطة بتتعرضلك ؟
_ فى مره خدونى على القسم وأول ما شفنى الظابط فضل يشتم فى . قولتله ياباشا انت أول ما تولدت ما اخترتش تبقى ظابط لكن ظروف كتير ساعدتك تبقى ظابط انا برضة ظروف كتير خلتنى كدا.
* كان رده إيه ؟
_ قالى انا حا مشيك علشان انت صريح عن ناس ولاد شرموطة كتير بيجوا يعملوا شرفه.
* كل زباينك مصريين ؟
_ مصريين وعرب
* بتتعامل مع نوعية معينه من المصريين ؟
_ من كله رجال اعمال ومستشاريين وناس بسيطة. كبار وصغيريين المهم يدفعوا
* جنب انه شغل ما بيجيش وقت تحس انك محتاج الموضوع دا ؟
_ ساعات بحس انى مشتاق اكون فى حضن وتحت راجل.
* تعمل ايه فى الوقت دا ؟
_ انزل ادور على اوردر شغل واتمتع فى نفس الوقت.
* مالكش صاحب ؟
_ مش ممكن اعمل حواجبى والبس لبس مشرمط كدا واقف فى الشارع طول الليل ونام مع راجل من غير فلوس .
_ كتير وخدنها بزنس كدا ؟
* كل اللى اعرفهم كدا إلا الكبار فى السن وتفسه فى الحاجة دى بيعملها ببلاش لكن وأنا صغير كدا وبنام مع رجل كبير لازم يدفع تمن المتعة دى وبعدين انا عملت لنفسى مستوى واسم لازم استفاد منه .
* ازاى ؟
_ يعنى انا فى شغلى وصلت لمكانة واسلوب امتع بيه الزبون وخليه يفضل مرتبط بى وعلى تليفونى ارقام ناس كبيرة قوى بيتصلوا بى وارحلهم. وانا لما بتزنق فى حاجة بتصل بيهم.
* تقربيا كام راجل ناموا معاك ؟
_ ياه كتير. بس فيهم طيارى وفيهم مع بعضنا على طول .
* بصراحة أنت من جواك سعيد فى حياتك كدا ؟
_ أبدا.
* ليه ؟
_ لأتى بغضب ربنا
* فيه ناس زيك بيقولوا ان ربنا هو اللى خلقنا كدا.
_ ربنا خلقتا رجاله والراجل ينام مع الست مش مع راجل زيه واتحدى راجل بيتعمل فيه كدا ويبقى راضى عن نفسه صدقنى احنا ناس زباله. وعلى فكرة انا فى موضوع الجنس دا ممكن امارس زى اى راجل طبيعى يعنى انا ممكن اخلى نفسى راجل أو مرة ؟
* وليه ما قررتش تبقى راجل ؟
_ لأنى بحب دا وبكسب منه.

كله تمام
وجدته يقف فى الحر الشديد بجوار القهوة التي نجلس عليها دعوته للجلوس رفض فى الاول ثم نظر يمينا وشمالا للتاكد من عدم كجئ احد من قادته ثم جلس وبعد ان عرفت ان اسمه سمير ومن محافظة الغربية سألته.
* مجند فى الشرطة بقالك اد ايه ؟
_ من سنه وعندى واحد وعشرين سنه
* مرتبك أد إيه ؟
_ 140 جنيه
* بيكفوك ؟
_ الحمد الله. وكمان انا باكل وبنام فى المعسكروفيه مولصلات بنركبها ببلاش .
* وبتعمل إيه بمرتبك ؟
_ ساعات بجوع وانا واقف خدمة اروح جايب كل بتنين جنيه والباقى بروح واجى مهم من بلدنا لكن مبقدرش ادى منهم لاهلى حاجة.
* وقفت مرة فى خدمة الرئيس ؟
_ كتير
* وقفت اد إيه ؟
_ تمن ساعات بحالهم على رجلى.
* كنت بتعمل ايه ؟
_ بحمى الريس.
* ليه ؟
_ علشان هو رئيس البلد.
* كنت بتحميه علشان بتحبه ولا علشان رئيس البلد.
_ علشان رئيس البلد ولو جه حد بعد منه حا اقف احميه برضه.
* يعنى حاسس ان ليك دور مهم ؟
_ انا حتة عسكرى وكل الى عاوزه ورقة نهاية جيشى.
* وليه الشهادة مهمة كدا ؟
_ علشان حا اتمسك لو مش معايا.
* ولو كان عندك فرصة كنت عملت الشهادة دى بالفوس كنت عملتها ؟
_ يا ريت كنت عرفت.
* وحماية البلد من يقوم بيها ؟
_ خليها على الله هو اللى حمينا وحميها.
* كام مرة وقفت على محل دهب أو بنك ؟
_ كتير.
* لو جالك فرصة تنام فى الخدمة تنام ؟
_ اول فرصة بعرف أنام فيها بسيب الورديه وانام .
* أخر مرة عملتها أمتى ؟
_ قريب كنت ماسك خدمة فى مدرسة وكان فيها ورق امتحان وأول ما الامين خلع من الخدمة قمت داخل فصل وفضلت نايم لما المدرسيين جم الصبح وصحونى.
* حد كلمك.
_ مدرس جه يزعق شوية الباقى قالوله معلش وخلصت.
*ولو واقف على بنك ولقيت ناس طالعة بفلوس كتيير قوى بتحس من جواك بإيه؟
_ بقول الحمد الله لان عنيا مليانه
* مليانه بإيه ؟
_ ابوى وامى ما خلونيش عاوز حاجة علشان كدا معايا فلوس أو مش معايا عنيا مليانه صحيح اللى معاه فلوس غنى لكن أنا شبعان.
* طيب إيه رايك فى المظاهرات اللى بتحصل ؟
_ مش كلهم وحشيين.
* ازاى ؟
_ لأن فيه ناس مش باينه هي اللى بتحرك الناس دى تعمل مظهرات وهما دولل الوحشيين لكن اللى فى الشارع دول غلابة ذينا.
* ولو الظابط قالك دول مخربيين ولا كفرة وضربهم ؟
_ مش حا ضربهم لكن حا هوش كدا وكدا علشان ما تسجنش .
* كام مره ضربت حد كبير وزعلت بعد كدا ؟
_ مرة واحدة كانت ست كبيرة وافقة لوحدها ادام الحكومة علشان جايه تهدم بيتها. والست جابت سكينه وفضلت تشتم الظابط ولكا خدنا مها السكينة نامت تحت البلدوزر. الظابط شخط فينا قمنا مجرجرنها على الارض وبعدناها لغاية لما البلدوزر هد بيتها.
* حاسس ان البدله الميرى بتحميك ؟
_ أيوة وبدخل أى حته ما حدش بيكلمنى.
* وقبل ما تلبس الميرى ؟
_ ياما مسكونى.
* وإيه اكتر حلم نفسك تحققه ؟
_ انى استحمل لغاية لما اخلص جيشى وارجع ارضنا علشان ابويا ما يأجرهاش لناس غيرنا وياخدو خيرها.
* استفدت إيه من فترة تجنيدك ؟
_ استفدت ان الراجل ما يظهرش حقيقته إلا وهو بعيد عن اهله.
* وإيه تانى ؟
_ ان اللى خرج من داره اتقل مقداره.
* وانت حاسس بإيه ؟
_ انى أتقل مقدارى.
فتح مخك تاكل ملبن
اثناء زيارتى لقريب لى مريضا بالسرطان ويعمل مديرا لاحدى المدارس الثانويه واعلم قدر الالام الجسديه من مرضه والنفسية من عدم استطاعته توفير ثمن علاج الكيماوى لمرض السرطان اللعين. وكم كانت فرحتى عندما وجدته سعيدا بتحقيق نجاح مظفر فسألته ماهو ففاجأنى بقوله
_ نجحت فى تحقيق رغبة ولى أمر طالب فاشل وخليتهٍ ينجح .
* إزاى ؟
_ اولا ابو الطالب غنى جدا وعرض على أنه يدفع كل اللى اطلبه بشرط ان ابنه ينجح فى الثانويه العامة وخاصة إنه ما بيعرفش حاجة فى اى مادة.
* وعملت إيه ؟
_ اول حاجة روحت لمستشفى حكومى وبمائة جنيه حطيتها فى جيب الدكتور استخرجت شهادة تفيد بكسر فى اليد اليمنى للطالب نتيجة حادثة سيارة وأكد الطبيب الواقعة بوضع اشاعة لشخص أخر مكسور دراعه فعلا.
* وبعدين ؟
_ بحيله بسيطة نجحنا فى ختم الشهادة المرضية من الكمسيون الطبى واستغلينا اهمال الطبيب المختص وختمولنا الورق بخاتم النسر ثم بدأت مرحله جديدة.
* إيه هي ؟
_ لان المدرسة حا يستلمها طقم غريب فأنا روحت وتعرفت على اللى حا يدير المدرسة وعرفته بنفسى وبحالة الطالب واعطيته ظرف فيه مائتين جنيه كواجب ضيافة ولما اخذ المعلوم تعاملت مع المراقبين بحرية واديتهم اللى فيه النصيب . وبعدين روحت لاهم واحد فيهم كلهم وهو رئيس العمال.
* وليه هو الأهم ؟
_ لأنه اللى حا يتنقل بين لجان الامتحانات بحرية للاشراف على كل العمال وفعلا نجح رئيس العمال فى اختيار لجنه معزوله ليمتحن فيها الطالب.
* ماخفتش ان واحد من المراقبين يرفض الرشوة ؟
_ يا عم الشيخ كلهم بياكلوا سواء من اولياء الامور او من اصحاب المدرسة.
* عملوا إيه اصحاب المدرسة ؟
_ وزعوا على كل المراقبين كل صباح علبة فطار كنتاكى وبعديها زجاجة بيبسى وفى أخر ايام الامتحانات وزعوا عليهم هدايا عبارة عن ساعة لكل واحد.
* وإيه العائد ؟
_ العائد ضخم يا صديقى لما يغش طلاب المدرسة وتطلع نسبة النجاح 100% حا يتصارع الجميع للالتحاق بالمدرسة ويحصد صاحبها الملايين.
* نعود للطالب مكسور الزراع ونكمل اللى حصل ؟
_ $$$$$$ رد قريبى وقد زاد فخره بما حققه. نجحنا فى إننا حصلنا له على تصريح بمرافق يكتب له الاجابة فى اللجنه. وأجرنا له اشطر طالب فى الصف الاول الثانوى لكى يرافقه وكل ليله يجلس الطالب المرافق مع مدرس المادة لينسقوا معا خطة اليوم القادم.
* وليه ما تمش التنسيق مع الطالب نفسه ؟
_ ياعم ننسق معاه إيه دا ساعات بنبقى سهرانيين انا ومدرس المادة والطالب المرافق وهو بيقى فى السيما مع صحابه.
_ أمال بسلامته دوره إيه ؟
_ بسلامته قبل دخوله اللجنه ركبنا له سمعات تحت الجبس وفتحنا تليفونه على تليفون موجود فى عربيه موجود فيها مدرس المادة.
* وازاى تمت عملية الغش ؟
_ لما بتيجى ورقة الاسئله للطالب يقرئها لاستاذ المادة فى التليفون وكأنه بيتكلم مع مرافقه وبما ان كله واكل فهناك تساهل. وبعدين يحل مدرس المادة الامتحان ويقوله للطالب فى التليفون فيكتبه المرافق.
* ٍ والنتيجة كانت إية ؟
_ دا سؤال يا راجل نجاح باهر طبعا وابوه دخله بالفلوس جامعة خاصة.
* وفين تكافئ الفرص هنا ما بين طالب اجتهد وأخر دفع ؟
_ ياعم الشيخ كل منظومة التعليم فى بلدك بايظة. ٍوسيبك من المؤتمرات والهجس دا. والتعليم الناجح له معايير معترف بها ومطبقة فى كل العالم المحترم لكن فساد التعليم فى بلدنا مقصود لأن حكامنا عارفين انه اساس نهضة او تخلف البلد .
* كلامك بيأكد ان الفساد هيكلى فى نظام التعليم ككل شئ فى حياتنا ؟
_ اتحدي أنهم يجيبولى مدرسة ما بتغشش ولا رئيس لجنه ما بيرتشيش.
* معقول مفيش ولا واحد شريف ؟
_ عارف لو رئيس لجنه شريف الطلبة الصيع واهلهم ويضربوه وهو مروح ويكسروا له عربته دا لو عنده.
* تفتكر حالات تؤكد انتشار الغش ؟
_ ياه دا كتير اسمع يا سيدى. فى مره كنا بنراقب فى مدرسة وسط مساكن شعبية ٍواول ما العيال ياخدو ورقة امتحان واحد فيهم يحدف الورقة وتتاخد ويحلها مدرس ومن بلكونه يقف سخص بميكرفون يقول الاجابة والطلاب يكتبوا * وليه مابلغتوش الشرطة ؟
_ بلغنا يا ناصح عارف حصل إيه فوجئنا اللى بيقول الاجابة راكب موتسيكل ويقول إجابة سؤال وبعدين يختفى فى احد الحوارى. وافتكر زمان فى احد الامتحانات لقيت بنت جميله فى الشهادة الثانويه بترفع الجيبة وتكتب من المنهج المكتوب على فخذها.
* عملت إيه ؟
_ اتمنيت انها تغش طول الجنة وزعلت لما انتهت.
* فى نهاية الحوار بصراحة عاوز أعرف إيه اللى عاد عليك من نجاح الطالب الفاشل ؟
_ لاول مرة فى الحوار يكتسى وجه قريبى بحزن عميق وهو يقول. حصلت على تمن جرعتين كيماوى لأن العلاج الذى يصرفوه لى فى التأمين الصحى بلا فاعليه امام غول السرطان.

حوار يطرى القاعدة
اثناء عملى بالصحافة كان لى شرف التعرف على شخصيات تفخر بهم بلادى فى مختلف المجالات بعضهم من رجال الشرطة مثل اللواء المحترم محمد عباس مدير ادارة مكافحة المخدرات السابق والضابط الخلوق علاء أمين . لكن هذا لا يعنى ان جهاز الشرطة بمثل ما فيه من شرفاء ضحوا بحياتهم من اجلنا فيه ايضا من أبنائه من يسئ بتصرفاته المنحرفه لهذا الجهاز الوطنى. والحوار القادم سيكشف جزءا صغيرا جدا من هذه التصرفات.
عند مدخل محافظة كفر الشيخ أشار لى أمين شرطة لتوصيله فى طريقى وبعد تردد وافقت واصريت على عمل هذا الحوار.
_ اسمى حمدى وبشتغل أمين شرطة فى السياحة من خمس سنين.
* وشغلك فين ؟
_ فى مصر ( يقصد القاهرة ).
* وبتروح شغلك وترجع كل يوم ازاى من كفر الشيخ للقاهرة ؟
_ بخدها تنطيط وبهدله كدا كل يوم.
* مرتبك اد ايه ؟
_ 550 جنيه فى الشهر. وعندما لاحظ استغرابى اقسم لى ان هذا هو مرتبه
* انت متجوز ؟
_ لأ
* طيب بتقسم مرتبك ازاى ما بين مواصلات واكل ولبس ؟
_ اقسم ايه يابيه دنا اقل يوم بصرف فيه 70 جنيه .
* وفيه ايام بتصرف اكتر من كدا.
_ كتير وكله على مزاجى والفرفشة
* تقصد ايه ؟
_ يعنى على المخدرات
* والحريم ؟
_ معقول ابقى فى شرطة السياحة وادفع للنسوان اللى بنام معاهم.
* طيب ممكن هما يدفعولك ؟
وعندما تردد فى الرد حكيت له قصة لقائى بزميل له يعمل فى شرطة المرور اقسم لى انه يحتقر نفسه كلما ضغط على سائق يعلم انه شقيان ويجبره على دفع عشرين او خمسين جنيه حتى لا يأخذ رخصته ويوقف حاله . وكان تبريره ان عنده اطفال يطلبون منه ان ياكلوا لحمة وفاكهه ويعيشوا مثل الاخرين. واكد لى انه لا ياخذ رشوة إلا من السائقين المخالفين فقط.
ويبدو ان هذه الحكاية فتحت نفس صاحبنا واندفع يحكى لى
_ على فكرة الاخ دا شغال مع سواقين غلابة لكن احنا كل شغلنا مع نسوان بتشتغل فى الدعارة ومكاسبهم بالهبل.
* قلنا موقف يأكد كلامك ؟
_ حا قولك على أخر موقف من يومين. كنت واقف خدمة على باب فندق وفجأة لقينا شاب عربى راكب عربية غاليه قوى وعمال يزعق فى بنتين زى القمر .
* بسبب إيه ؟
_ بيقول انم خدوا الموبايل بتاعه ومفاتيح العربية ولما سألت البنات قالوا انه خدهم حجرته وكان متفق يدى كل واحدة 500 دولار.
* وبعدين ؟
_ ضحك عليهم وادى كل واحدة 500 جنيه .
* وانت عملت إيه ؟
_ خليت البنات تديله مفتاح العربية مقابل انهم يخلعوا بالموبايل.
* ومشيتهم ؟
_ لأ جهه ضابط غتيت وصمم يكشف عليهم ويشوف عليهم سوابق أو احكام ولا لأ.
* وعملت إيه ؟
_ اتصلت بزميلى اللى فى القسم والمسئول عن الموضوع دا وأديته اسامى البنات وطلبت منه يبلغ الضابط أنهم نضاف ( يعنى ماعلهمش سوابق ).
* وبعدين ؟
_ خلعت البنات من الضابط وعرفت منهم انه خد تليفونهم لكن قابلتنى مشكلة جديدة.
* هى إيه ؟
كانوا ركنيين فى منطقة غلط والعربية اتكلبشت من شرطة المرور.
* طيب ما تسبهم يمشوا ؟
_ يمشوا إزاى دا فيهم بنت شكل نناسى عجرم بالظبط ودخلت مزاجى.
*وعلشان مزاجك عملت إيه ؟
_ بعون الله خرجتلهم العربية.
* وكان رد فعلهم إيه ؟
_ البنت اللى انا معجب بيها قالتلى أنا تحت امرك وعرضت على اروح شقتها.
* هى منين ؟
_ من اسكندرية لكن ليهم شقة لوكس هنا وعلى فكرة هما الاتنين أخوات والكبيرة 21 سنة والصغيرة 18 سنة.
* وانت اخترت مين ؟
_ الكبيرة لأنها زى القمر.
* ورحت معاها ؟
_ طلبت منها الاول نروح نايت كلب.
* ينفع تروح معاها باللبس الميرى ؟
_ طبعا وكلهم عارفنى.
* المهم ايه اللى حصل ؟
_ اعدت معاها شوية ودخلت الحمام قمت داخل وراها فتشت الشنطة لقيت ملابس داخلية وتحتها نص قرش حشيش اصلى قمت ضربه فى جيبى وادتنى 300 جنيه لكن باحسس لقيت حاجة غريبة.
* هى إيه ؟
_ لقيتها مخبية فى الكلوت فيزا كارت بتاعها.
* وبعدين ؟
_ خدتها وطلعت على البنك لقيت فى حسابها 170 الف جنيه.
* وعملت إيه ؟
_ خليتها تجبلى أحدث موبايل. وعلى فكرة المواضيع دى بتتكرر معايا على طول.
* إيه اكتر حاجة لفتت نظرك فى موضوع الدعارة دا ؟
_ انه انتشر جدا لدرجة انه لو عربيتك حديثة شوية ونزلت شارع جامعة الدول العربية حا تلاقى النسوان بتركب العربية لوحدها.
* وإيه تانى ؟
_ اننا بنقابل بنات شغالة فى الدعارة من كل الطبقات وكتير منهم ولاد ناس كبار ورجال اعمال.
* معقول ؟
_ طبعا لأن ابوهم وأمهم مشغولين عنهم بشغلهم او مراكزهم أو عشاقهم.
* بصراحة الفيزا كارت بتاعتك فيها أد إيه ؟
_ مش ممكن احوش حاجة من الفلوس دى.
* ليه ؟
_ لأنى بستحرمها. وكمان فيه حاجة مهمة عاوز أقولهالك قبل مادخل الشرطة عمرى ماعملت حاجة تغضب ربنا.




القسم الثانى قصص ابداعية عن بسطاء المحروسة

فهرس القصص

1 _ حليب مسكر
2 _ لدغة الثعبان
3 _ حبيب الروح
4 _ اعتذر لك يا حذائى القديم
5 _ أخر حلاوة
6 _ أضواء وظلال
7 _ الملاحقة المستحيلة
8 _ عاشور يضرب ليه يا ولاد الكلب
9 _ مرارة الفرحة
10 _ العيد الحزين
11 _ متى يأتى الفرج
12_ ابتسامة مجروحة
13 _ أخر ما تبقى



1 _ حليب مسكر
يوما سعيدا بطعم الحليب المسكر الذي انتظرناه طويلا من جاموستنا العرجاء المجهدة والتي لم تتخل عنا أبدا بحليبها الطازج الذي حرمنا منه طيلة الشهر الماضي بسبب مصاريف دراستنا واحتياج أبى وأمي لثمن لبنها الذي نشتهيه . وبعد أن مرت تلك الأزمة بطلوع الضرس تجمع كل أطفال البيت حول أمي وهى تستعد لعمل طاجن الأرز المعمر . ورفرفت سعادتنا بأجنحتها البسيطة فى قلوبنا وهى تضع فى فم كل منا قطعة من القشطة قبل أن تدهن بها وجه الطاجن الذى من كثرة شوقنا له تمنيت ان ينقعوني فى حلة اللبن كى أظل اشرب منها فما أجمل الغرق في حضن الحبيب . لكنى أفقت على صوت أخي الأكبر يدخل مخنوقا من الغيظ بطريقه جعلت أمي تترك مافى يديها وتسرع لتطمئن منه على أبى فأوحى لها بأن هناك ما هو أهم فصرخت فيه كى ينطق فاندفع الكلام معلنا مرض حمارتنا أبنت المفجوعة التى التهمت بعيد عن الحاضرين كميه من الذرة المرشوش كيماوي تكفى لتسمم مديرية مما جعل كرشها يقف عن هضم الطعام فأنتفخ ولم تعد تعرف من أى مخرج تصرف . فضربت أمي على صدرها حزنا وصرخت فيه ليحضر مغاورى التمرجي بعجلته . وبسرعة انتزعت حلة اللبن التي تحلقت أمانينا حولها وخرجت تبيعها لنصدم بضياع حلمنا البسيط فى قضاء لحظات من الهناء والمتعة .


2 _ لدغة الثعبان
ارتعش جسد أمي بعدما أسرعت بسحب يدها من سبت العيش المدفوس تحت السرير عندما تحسست الجلد الأملس لثعبان كبير.حاولت أمي استجماع روحها التي انهارت لحظة أن خرج برأسه متجها نحوى أنا وأختي الصغيرة فصرخنا . تبولت أمي على نفسها وهى تقاوم رعبها بقذف الثعبان بطبقي الفول والمخلل محاولة إخراجنا من الحجرة ففوجئت بالجيران يغلقون الباب علينا من الخارج وهم يصرخون خوفا من خروج الثعبان . فبدأت أمي تضربه بشدة بالطبلية وهى تبكى وتحاول أن تهدئ رعبنا الذي كاد أن يوقف قلوبنا الصغيرة حتى أجبرته على الانسحاب تحت السرير, ولم تضيع أمي وقتا فى انتظار أبى الذي تجبره لقمة العيش على المبيت أياما طويلة في المحافظات الأخرى فباعت فردة حلق وقررت سد الشقوق التي تملأ جدران حجرتنا المتهالكة رغم تحذيرات الجيران لها من لدغة الثعبان فليس أمامها من بديل عاجل . صارعت أمي الوقت والخوف وهى تملأ تجاويف الجدران بالاسمنت لكنها صدمت ببلاط حجرتنا مخلوعا عن أخره فاستجمعت قواها وواصلت العمل حتى سدت كل الشقوق . ولكي تدخل البهجة على قلوبنا طلبت منا أنا وأختي أن نختار شيئا لتشتريه لنا بما تبقى من ثمن فردة الحلق . فاختارت أختي فرشا للسرير مبهجا واخترت أنا زوجا أبيض من الحمام الذي أصبح شاغلي أنا وأختي نطعمه بالحب ونسقيه وندخله فى قفصه لينام عندما نأوي نحن لسريرنا حنى جاء يوم نسينا أن نغلق باب قفصه ليلا فقامت أختي مذعورة على صوت ضربات ملتاعة لأجنحة الحمام . وكم بكينا عندما انسحب الثعبان بهدوء مريب تاركا الحمامة الأنثى تصارع الموت . قامت أمي كالمجنونة تضرب بكل ما تطوله يدها في اتجاه هروبه المخيف بعد أن صرخت في أختي لتخرس رعبها . وظل زوج الحمامة مضربا عن الطعام حزنا على أليفته حتى لحق بها. وظللنا نحن لا بديل لنا من النوم مفتوحى الأعين انتظارا للدغته المباغتة .


3 _ حبيب الروح
لماذا أصبحت لحظة رحيل زوجي بكل هذا الدوى وكأن العالم بعدها غيره قبل حدوثها . لا ازعم ان علاقتي بزوجي كانت مثاليه فقد كنت اعتبره زوج عادى على الرغم من عطائه السخي لى ولكل من حولنا حتى لمن لا يستحق . ولكن الفراغ العميق فى حياتنا من جراء رحيله جعلنا نكتشف عمق وجوده فى روحنا أنا وابنتي الكبيرة ياسمين وابنتي الصغرى مي . فقدت شعرت أن أخذه منى نتيجة غير عادله لماراثون الكفاح المضني الذي مارسته منذ لحظة اكتشافنا لمرضه الخطير . فعلى الرغم من أن الموت أصبح حيوانا أسطوريا مخيفا يحوم حول حياتنا ليختطفه في اى لحظه إلا أنني أرغمت نفسي ومن حولي على ألا نرى إلا ضوء الأمل الخافت الذي لا وجود له إلا فى قلوبنا . وأكدت لنفسي ولهم ان إصرارنا هو من يبقيه لنا . لذلك أصبحت أمضى حياتي فى الشارع ما بين عملي وملاحقة علاجه فى المستشفى . أما نفسي فقد وهبتها كلها ثمنا رخيصا من اجل أمل عودته لنا سالما ومارد أنوثتي ألجمته وحبسته بعيدا عن اهتمامات عقلي التي تركزت كلها عليه هناك حيث يحارب معركة الحياة ضد غول الموت الذي تسلل خلسة لداخل جسده لينهش أمعاءه . لكنه ظل بطلا فى مقاومته ونحن معه في معركة حسمت فى غير صالحنا . وفى وقت كنت قد أنهكت تماما كان على مواجهة تشققات جدران حياتي وخاصة الموقف الخطير التى تعرضت له ابنتي الصغرى مي المعاقة ذهنيا والتي صدمت لحظة اكتشافي لأعاقتها عندما كانت طفله لكن مع الوقت ومع تسليمي بالأمر تحولت مي لأكبر مصدر من مصادر سعادتنا . ولأن سر حبنا للطفولة هو براءتها فإعاقة مي جعلتها تحيا طفولة وبراءة دائمة فأصبحنا نحتاج إليها بأكثر مما هى تحتاج إلينا وأصبحت خطوات تقدمها الدراسي رغم بطئه مصدرا لفرحنا أما حلاوة صوتها فأصبح هو البهجة التي تعم حياتنا وتعم اى مكان تغنى فيه بعدما تدربت على أيدي أساتذة متخصصين لتصبح حفلات غنائها هى وزملائها من ذوى الاحتياجات الخاصة وقتا مبهجا يسرق أرواحنا من صراعات الحياة القاسية . وكانت مى بالنسبة لأبيها نعمه من نعم الله لذلك لم يمر بمرحلة الصراع الذى مررت بها أنا فتقبلها منذ اللحظة الأولى على حالتها وبدأ يمتزج بعالمها ويتفهمه ويحيا مفردات حياتها فهو الأقرب لها والأكثر لعبا معها وغوصا فى تفاصيل عالمها البريء . لذلك لم تتحمل مى بعقلها البسيط فكرة غيابه عن حياتها فتدهورت حالتها على كل الأصعدة وأصبح كل ذكر لأسمه أو صوره له أو رؤية لملابسه هو انفجار عقلى وروحي لها حتى أرشدنا احد الأطباء بسرعة التخلص من كل ما يذكرها به . فجمعت كل صوره وضممتها لصدري وكأنني أدخلها لقلبى وأخفيتها فى مكان بعيدا جدا . وتشممت رائحة ملابسه لأملأ روحي من عبقها قبل أن يأخذها احد أقاربنا ليوزعها على المحتاجين بشرط بعدهم عن منطقة سكننا . وجاء إعداد مدرستها لحفلتهم السنوية حلا سحريا فهى تعشق الغناء وأصبحت البروفات تستهلك الجزء الأكبر من طاقتها وكلما اقترب ميعاد الحفلة زادت جهودنا فى إخفاء ما يذكرها بأبيها وأثناء وضع أخر لمسات الماكياج على وجهها الجميل لتصعد إلى المسرح بفستانها الأبيض الرائع والورد فى خصلات شعرها سمعت المذيع يعلن للجمهور الذي امتلأت به القاعة عن فقره رائعة من الغناء تقدمها مى خالد . وما ان سمعت ابنتي مي اسم خالد حتى انفجرت فى صراخ هيستيرى جعل كل من حولها بما فيهم الجمهور ينتفض ذعرا وظلت فى حالة هياجها حتى طلبت من الجميع سرعة تركنا وحدنا وأخذتها فى حضني وظللت أهمس فى روحها أنها يجب ان تغنى كل ما كان يحب أبوها سماعه حتى تسعده وبدأت تهدأ ألآت غضبها الداخلي عندما عرفت ان أباها يراها وسيكون بروحه معها ليشاركها كعادته فرحه غنائها وعندما بدأت ترتسم ملامح الابتسامة على وجها المتعب واستردت روحها بعضا من حبه أصرت على غناء ما يسعد أبيها . وخرج من يشرح للجمهور ما حدث مما جعل الأيادي تلتهب لحظة خروج مى للمسرح . لكنها لم تعبأ بكل هذا ونظرت فى كواليس المسرح حيث كان يقف أبوها ليشجعها ويملأ روحها بمحبته . فوجدتني وكل من تحبه متشابكي الأيدي فتشجعت روحها وانطلق غنائها لأبيها . وترقرقت دموعها ساخنة وهى تبحث أثناء غنائها عن حبيب روحها الذي تغنى له ما يحبه بكل صدق مشاعرها حتى يأتي وتراه . ليحيا الجمهور ليله أقسموا أنهم لن ينسوها ونكتشف نحن أن وجوده فى حياتنا وقلوبنا اكبر من كل غياب .



4 _أعتذر لك يا حذائى القديم
أصبح حذائى من كثرة الرقع التى أحدثها تآكل جلده أفضل مرآة فى نظرى تعكس تآكل نظام حياتنا كله لأته ببساطه أى حذائى اكبر ضحاياه فهو الوحيد الذى يتحمل دائما قذفه لآخر قائمة الأولويات فى حياة أسرتي التى تزداد طولا فكلما تحرك من ترتيبه الأخير فى قائمة أولوياتنا ضغط على وعليه أحد الطلبات الملحة مثل جاكت أبني لأحميه من قسوة الحياة والشتاء اللذين لا يرحمان روحه الصغيرة أو بنطلون طفلتى التى اشتريت لها بلوزة العيد ومازلت بعد فوات فرحته أجاهد لاشترى لها بنطلونها ليكتمل لديها طقم يتيم يستر فرحة طفولتها أمام زملائها . فإذا فرغت من ذلك انتبهت لصرخة جديدة لحذائى من إحدى فتحات تمزقانه الكثيرة التى تناثرت كأفواه حيوان أسطورى تتحدث كلها فى وقت وأحد منها من يتوسل لى ومنها من يصرخ فى كى أرحم هذا الحذاء وأحرره من قدمى لكنى بدلا من ذلك أستخدم ذات الأسلوب الذى يدار به حياتنا على كافه مستوياتها وهو الترقيع الذى ينعكس مباشرة على كمواطن بسيط فى ترقيع كل حياتى وخاصة حذائى . ومثلما لحكومتنا رجالها من الصناع المهرة فى مؤسسة الترقيع الرسمية كذلك أنا لى رجلى الماهر فى ترقيع الأحذية فهو الذى يجد لى فى كل مرة علاجا لجسد حزائى الملتهب بجروحات تمزقاته . وأستمر الحال هكذا بى من تراكم ترقيعات الحكومة فى حياتنا وترقيعاتى لحذائى حتى وصلنا كبسطاء لهذا الشعب لحال تهتكت فيه كل أنسجة حياتنا وأرواحنا واستحالت أمام حكومتنا المباركة ان تجد فينا خليه تصلح لان تلتئم مع خليه أخرى فى ترقيع جديد لكى يظهر لنا رجالها فى وسائل إعلامهم يحوطهم ويخنقنا كل ألوان الطيف من النفاق والوعود بمرحله جديدة من الخيرات بفضل ترقيعهم الجديد . وكنتيجة لهذا الحال تكاثرت على حذائى الكثير من الضغوط حتى وجدته ذات يوم وفى إحدى الميادين العامة أثناء هروبى قفزا من دفع أجرة الأتوبيس يفاجئني بانفجاره من كل اتجاه حتى صعب على لم أشلائه المتناثرة مما جعلنا أنا وهو نتبادل الشتائم واللعنات على هذا الموقف المربك الذى نجحت فيه بصعوبة بالغة فى الوصول للجزمجى الصبور الذى ما أن رآه حتى تجسدت وتوحدت على لسانه كل صرخات رقع حذائى ونطقها كلمة واحدة .
_ أعتقه
وعندما وجد لدى بعض إلحاح واصل غرز كلامه فى عقلى قائلا
_ انه مات ومطلوب منك ان تتركه ينام فى سلام فى إحدى مقالب القمامة التى تمتلئ بها حياتنا .
وأسرع ليجهض سؤالا كان فى طور التكوين داخل عقلى المضطرب بجملة قاطعه وكأنه يقرأ عقلى مضيفا .
_ ولم يعد له أمل فى مستقبل بعمل جلد جديد لنعله .
وأعطانى مرغما أحد شباشب الزبائن حتى أعود به لمنزلى وألح مشكورا أن أخذ حذائى معى لأرميه . وعدت لمنزلى حزينا بوداع صديق حميم ومثابر لتذكرنى لسعات البرد القارص التى تهاجم قدمى من فتحات الشبشب بقيمة حذائى وفضله على رأسى لتنشلنى زوجتى لافوض فوها والتى أعملت عقلها الذى كنت فقدت الأمل فى وجوده أصلا بحل أعاد رائحة الأمل لنفسى عندما ذكرتنى بحذائى الأقدم الذى تحتفظ به من فترات سحيقة تحت أكوام من المهملات فى بلكونة شقتنا لتسرع على الفور فى محاولة لانتزاعه . وبعد جهد جهيد ظهر حذائى الأقدم لكنى صدمت من طريقة استقباله لى عندما وجدت وجه جلده عليه تكشيره بفعل تراكم الزمن والمحن . ولم تفلح كل محاولات ثلاثتنا زوجتى والجزمجى الصبور وأنا فى فك تلك التكشيره الغبية لحذائى الأقدم الذى حاولت الاقتراب من قلبه مذكرا إياه قدر الروابط التى خلقتها بيينا العشرة رغم بداية تعارفنا الصعبة من جراء الضيق الشديد الذى استقبل به قدمى وما أحدثه هذا الضيق من التهابات فى قدمى لكنى اجبرت نفسى على ارتدائه فالنظام لم يعطنا حتى حرية أو قدرة اختيار حذائنا . وأنهيت حوارى مع حذائى الأقدم بان ذكرته بكم الصداقات التى بدأت بمشكله فما محبه إلا بعد عداوة . لكن تلك المحاولات من تحنيين قلب حذائى الأقدم لم تفلح فى فك تكشيرته وكأنه يقصد بل ويتعمد بأنني لا أستحق إلا هى . أما لماذا فمازلت ابحث عن إجابتها أثناء بحثى عن حذائى الأقدم منه فى نفس الوقت الذى يبحث فيه نظامنا عن ترقيعات جديدة لنسيج حياتنا ونظامنا المتزايد فى التآكل .



5 _ أخر حلاوة
أخر حلاوه تلك كانت الصيحة المنعشة لأروحنا التى يطلقها الشيخ قرنى ذلك الرجل طيب القلب والعشرة والذى لم يمنعه ضياع بصره منذ طفولته عن الاستمتاع بمباهج الحياة فهو لا يكتفى بلف قريته معتمدا على عصاه وحدها بل يلف مصر كلها لحضور موالد أهل الله الصالحين وكان هذا سبب تعلقنا به ففى كل عام يأتى مولد السيدة زينب ويضرب خيمته فى حوش منزلنا العتيق هو ومريدى السيدة . وكنا ننتظر كبارا وصغارا قدوم الشيخ قرنى من قريته معلنا صيحته أخر حلاوه فى حوش البيت فنأتى جميعا حوله مهللين فى فرح . وكنا نندهش كأطفال كيف يعرف كل واحد فينا ويناديه بأسمه وهو يسلم علينا ولايرانا.لتبدأ منذ قدومه حفلات السمر معه فنتحلق حوله وهو ينشد المدائح النبوية والأغاني الدينيه المملوءة بالحنين لأهل البيت ممسكا بألة العزف الخاصة به وهى عصاه الحديدية وملعقة معدنيه يدندن بهما نغمات عذبه تصاحب أداءه الدافىء والمحبب لنا 0 وكان حوش المنزل هو الساحة المتاحة فقط لكل رفاقه الا الشيخ قرنى فكان يلف على كل شقق منزلنا فكثيرا مايفاجأنا بالدخول من باب شقتنا المفتوح دائما وعندما يشعر بارتباك وتحركات من فى البيت يذكرهم انه لا يرى شيئا 0 كان أحلى ما عندنا نقدمه له وهو يأكل باستمتاع جميل ويشرب الشاى ويدخن الشيشه ويصلى فروض الله ويحب الناس ولا يحب أن يشعر بإنسان حزين . أذكر عندما وجدنى أبكى بسبب ضرب أمى عندما اصررت على أخذ عشرة قروش ولكى يخرجنى من حزنى أطلق صيحته الجميلة أخر حلاوه فابتسمت وأصبحت تلك الابتسامة وقفه لأفكر فيها عن بديل للعشرة قروش ثم انطلقت بعدها لألعب وأمرح مع الأصدقاء . واذا كان يجلس فى حوش البيت وشعر ان الناس من حوله انشغلوا بأحاديث النميمه عن الهدف الذى تركوا ديارهم من أجله نجده يشير نحو السماء مطلقا صيحته أخر حلاوه ليتذكروا هدف مجيئهم . ورغم الزحام الشديد فى يوم المولد كان الشيخ قرنى دائم التنقل من بين الخيام المنتشرة فى حى السيدة زينب كله ليقابل الأقارب والأصدقاء الذين تعرف بهم فى موالد أهل البيت فى كل محافظات مصر0 لكنه عاد من احدى الجولات حزينا عندما اكتشف أن اولاد الحرام شرطوا جلابيته الثقيله ووصلوا للسروال الذى الذى يضع فلوسه فى أحد جيوبه السريه ورغم أن الشيخ قرنى يركب كل المواصلات فى جمهورية مصر كلها مجانا ورغم انه يدخل أى بيت ليأكل ويشرب الشاى ويدخن الا انه حزن على الفلوس التى أعطاها له الخيرون من البسطاء. وعندما وجدنا الشيخ قرنى يجلس حزينا فى حوش منزلنا تجمع حوله مجموعه الآطفال فهذا هو اليوم الأخير لمولد السيدة وسيرحل عنا فجرا ونحن نائمون الى قريته 0 فاقتربت منه وأنا أشعر بقدر حزنه وأطلقت له صيحته أخر حلاوه فأدار وجهه ناحيتى وكأنه يرانى وأخذ رأسى الصغيرة وعصرها برفق فى أحضانه وأبتسم وهو يمسك عصاه وأخرج الملعقه من أحد جيوبه وبدأ فى غنائه الذى بدا لى وكأنه يغالب أحزانه ليعانق بحبه الدنيا وما فيها من أهل الله الصالحين ومن بشر وزرع وهواء وجمال ينساب من والى قلبه. ولم اشعر انا والأطفال ونحن نسبح فى أحلامنا على غنائه اننا نمنا الا عندما أيقظتنى أمى صباحا لاذهب لمدرستى. وكان أول شى فعلته وفعله مثلى كل أطفال بيتنا ونحن ذاهبون الى مدرستنا بملابسنا البسيطة وشنطنا الممزقه أن نظرنا نحو مكان الشيخ قرنى وسرت فى أرواحنا نشوة صيحته أخر حلاوه ممنين أنفسنا أن العام سيمضى ويأتى مولد السيدة زينب القادم ويطلق صيحتة اخر حلاوة لننطلق كلنا فى أحضانه كعادتة ويفرح عندما يجدنا قد كبرنا . ويمضى العام ويأتى المولد الجديد وتشتاق ارواحنا لسماع الصيحة لكننا لا نسمعها وننزل وأرواحنا مخطوفه لنسأل عنه فيخبرنا اقاربة اننا لن نراه بعد الان لأن احد السائقين الذى كان يسابق زميله على خطف الزبائن من على الطريق لم ينتبه الى ان الشيخ قرنى كفيف فدهسه وفر هاربا. ويكشفون لنا سر حزن الشيخ قرنى فما سرق منه فى المولد الماضى كان تحويشة عمره والتى كان حريصا على عدم الصرف منها ليحقق بها حلم حياته وهو الذهاب للحج . ورحل الشيخ قرنى دون أن يحقق حلمه البسيط ليأتى لنا مولد السيدة كل عام ويمضى دون أن يبقى لنا فيه أى طعم للحلاوة الا عندما تسرى فى قلوبنا ذكراه.



6_ أضواء وظلال
رغم انحسار أضواء زمنه الجميل وبالتالي طلبات العمل إلا أن ألآلام فى تزايد مستمر فى روح وجسد الممثل الكبير الذى أصبح تحت الحاح الحاجة لا يتحرج من تسول الأدوار لدرجة أنه عجز عن دفع فاتورة تليفونه من كثرة ملاحقته للمخرجين والمنتجين وزملاء المهنة رغم تاريخه الطويل والكبير فى مجال التمثيل عندما ايقن ان كلمة تاريخ تفقد معناها وقيمتها أمام صرخات الالم فى الجسد الواهن أو تسحقها ضغوط الحاجة 0 ويبدو ان إلحاحه لم يضع كله هباء فقد جاءه أوردر شغل فى فيلم يخرجه أحد تلاميذه الذين كان يدرس لهم فى معهد السينما وهو ماجعل سعادته مزدوجه عندما جاءه الريجيسير ليصطحبه لمكان التصوير . فى البداية حاول الريجيسير التغلب على حرج عدم وجود كراسى أو أى فرش أصلا ليجلس عليه فى الشقة الا سرير عليه بقايا طعام وأكوام من جرائد تتحدث عن تاريخ ولى لهذا الممثل الكبير بجانب ما تبقى من ملابس أدواره . لكن الرجسير لاحظ ان أكثر ما يحتل مساحة فى السرير هو الغطاء المتسخ الذى يحمى به الممثل جسده من قسوة وبرودة الحياة . وبينما تشاغل الريجيسير بمشاهدة براويز الصور الممتلئة بها الجدران والتى تجمع هذا الممثل الكبير وكبار فطاحل التمثيل توقف طويلا أمام صورة تجمع الممثل مع نجمة كانت جميلة الجميلات فى ذلك العصر والتى بدأ علاقته بها من خلال قبلة فى مشهد أسكرتهما حلاوتها لم يفق من توابعها الا بعد ان ضحى بحياته الأسريه مع زوجته الطيبة وأولاده الذين كانوا فى اشد الحاجة اليه وظل غارقا فى بحر عسل تلك الفاتنه وحياة البذخ تحمله موجات البريق والأضواء من عمل لأخر ومن مكسب لأكبر لدرجة شعر معها أنه أصبح عضوا دائما على سفينة الشهرة المبهرة لم يفق الا وهى تلفظه على أول شواطئها بعدها امتصت منه أخر أشعة بريق روحه وأعتصرت ما تبقى لديه من رحيق موهبته. وفى استعادة لزمن مضى انتهى الممثل الكبير من حلق ذقنه واقترب من الريجيسير يسأله عن نوع الملابس التى يجب عليه أرتداؤها فى الدور ففوجىء بالرجيسير يقوله بأستهانه
_ عاوزينك عريان 0
ويصاب الممثل بالصدمه من اللفظ وسوقية اسلوب الريجيسير مماجعله للحظة يفكر ان ينهى المقابلة مع ذلك الهلفوت الذى لا يعرف قدره لكن احتياجه يضغط على كرامته ليخنق صراخها. ويلحظ الريجيسير تأثير كلماته على الممثل فيقرر شرح ما يقصده ليس بالطبع خوفا على مشاعره ولكن حتى ينتهى ذلك الاوردر الممل فيقترب من الممثل حتى يسمعه صارخا فى أذنه
_ عاوزينك فى مشهد واحد بس ح تحميك فيه البطله ليلة دخلتكم وبعدين 0
_ وبعدين ح أموت
يضحك الريجيسير من لماحية الممثل 0
_ فعلا ح تموت بس قبل ما تدخل عليها 0
_ لا ح موت من البرد
وينشرخ صوت الممثل وكأنه يبكى حاله مستعطفا الريجيسير
_ يابنى دنا ما بخرجش البلكونه علشان ما يجنيش التهاب رئوى
ويجد الريجيسير فى كلام الممثل فرصته لينهى تلك الورطه التى زنقه فيها المخرج باصراره على هذا الممثل للدور . ويقترب من الممثل بود زائف عارضا الحل 0
_ خلاص بلاش الدور دا ونطلب من المخرج أو المنتج تسكينك فى دور تانى. تتحجر عينا الممثل على فاتورة علاجه المؤجله رغم صراخ الآلم فى جسده ويسرع بحسم الأمر بما يفاجأ الرجسير .
_ ياللا يابنى أنا جاهز دا حتى ح ترحمونى من شيل شنطة اللبس طالما عاوزينى عريان .
ويدخل الممثل بصعوبة لمكان التصوير ليفاجأ بمايسعده من حفاوة استقبال كوكبة من زملاء عصره وممن يعرفون قدره وهم ايضا مثله قبلوا فتافيت الأدوار التى تبقت من ممثلي الزمن الحالى . ليجد الممثل روحه محاطة بجو من الألفة والود وسط من كان لهم نجما ساطعا فى سماء أيامهم التى ولت ولانهم جزء من زمنه الجميل استغرقتهم الذكريات لدرجة أنهم وجدو فى تأخير نجمة الفيلم لأكثر من ساعتين عن ميعادها فرصتهم لكى يجتروا لحظات زمن كان يحكمه قانون الحب الذى يفرض احترام أقدار الناس . وكم اندهش كل من فى الأستوديو ببعض قفشاتهم الحراقة التى أطلقت ضحكاتهم الحبيسة تحت طبقات الاحزان لدرجة ان الممثل تمنى الا يفيق من هذا الجو الذى أعاد الحياة لروحه لكنه فوجئ بصوت حاد لأحد مساعدي المخرج الذى وجه كلامه له آمرا 0
_ أقلع يا أستاذ الست جت وخلصت مكياجها .
ساد المكان لحظة صمت كثيفة اعقبت الأمر الحاد الذى أطلقه مساعد المخرج للممثل الكبير لتدور نظرات الممثل الخجلى فى تلك اللحظة لتتلقى مشاعر الاشفاق من زملاء يعرفون قيمة وتاريخ ماضيه ثم ينظر نحو مساعد المخرج خاضعا لحاضره يخرج منه صوته مخنوقا بما تبقى من كبرياء
_ حاضر يابنى
وبيدين مرتعشتين بفعل المرض والبرد والقسوه يخلع الممثل الكبير ملابسه وينصاغ لتوجهات مساعد المخرج الذى يجلسه حيث تبدأ معه عملية الاستحمام التى ستقوم بها النجمة التى ما أن رأته عاريا بجسده الواهن المرتعش بشدة حتى أطلقت ضحكه فاجرة أعقبتها بتعليق أفجر عن ذلك الكهنة الذى من المفترض انها ستصور معه ليلة دخلتهما 0 ويلحظ المخرج علامات الحزن العميق التى حفرت بجرحها على وجه أستاذه فيطلب سرعة تصوير المشهد ويؤكد على مساعديه الحرص الشديد حتى لا يضطر لمأساة أعادته وهو ما جعلهم ينجحون فى الانتهاء منه ليسرع المخرج لباب الاستوديو مودعا أستاذه الذى تمكنت الأرتعاشه من كل ثنايا وخلايا روحه وجسده لدرجة لم يستطع فيها امساك أجر يوم التصوير بيده فوضعها له مسئول الانتاج فى أحد جيوبه وهو يغلق خلفه باب التاكسى الذى انطلق به ليلتهمه الظلام الحالك 0 ويسرع المخرج لمكان التصوير مطلقا صيحته أكشن لتتوجه الاضواء الساطعه كلها نحو النجمه التى يلحظ المخرج كم المكياج الذى أسرعت توا لوضعه حتى تخفى خطوات زمن لا يرحم علها تسرق منه بعض الوقت تبقى فيه تحت الأضواء المبهرة قبل أن تغرق بدورها فى الظلام .



7 _ الملاحقة المستحيلة
اندهشنا جميعا عندما وجدنا فتاه جميلة تلبس السواد تجرى حافية القدمين تلاحق جثه تحملها أمواج أحد فروع النيل المسرعة. يبدو من الإعياء الشديد الذى ضرب كل أوصال الفتاه إنها جاءت فى أعقاب الجثة من مكان بعيد لا نعرفه ولكن المؤكد ان الجثة لعزيز غال على قلبها لأنها تناديه بصوت يخنقه اللوعة
_ مش ح سيبك يا نور عينى0
من نور عينيها هذا ؟ سؤال ظل يشغل الواقفون على محطة الأتوبيس وأغلبهم من الرجال العائدين مطحونين من شقاء أعمالهم متجهين لحياتهم البائسة .
_ قد يكون هو الأخ الحنون والسند الوافى لها فى الحياة وقد اغتالته يد أثمه .
هذا ما قاله أحدنا ليرد عليه أخر 0
_ صدقونى هذه اللوعة هى لحبيب أرادوا بحرمانها منه تمزيق فؤادها.
لم تدعنا نغرق فى أسئلتنا السلبية لكنها اقتحمت أرواحنا عندما وجدناها وسطنا تستحث فينا ما تبقى من نخوة الرجولة ومن إنسانيتنا كى يساعدها أحد فى استرجاع عزيزها . كانت تستحلفنا بكل غال فى حياتنا أن نأتى لها بأغلى ما فى حياتها لم تتوقف عن الحركة بيينا بحزن عيونها الجميلة التى تنظر هناك نحوه وشعرها الأسود الطويل كأيامها ووجهها الذى انطفأ إشراقه بفراقه . فى الثوانى النادرة التى بعدت عيونها عنه واقتحمت عينى شعرت برهبة فقد كانت تتحدث مدفوعة بمزيج من حنين ورعب جارفين . لأن هذا الفرع من النيل سيصب بعد قليل فى الفرع الرئيسى وهو ما يعنى اتساعا أكبر وتدفقا أسرع يستحيل فيه استرجاع حبيبها . كانت كلما تذكرت هذا زاد إلحاحها الذى تحول مع يأسها منا لشتائم بعدما تخطتنا الجثة . ولكن فجأة ترك أحد الواقفين كيس الفاكهة الرخيصة الذى يحمله لأولاده وقفز بملابسه فى الماء وتعلقت به كل الأنظار وهو يصارع الأمواج كان يستمد تلك القوه من روحها فهو لا يعرفه لكن عمق إخلاصها له يؤكد انه يستحق كل هذا مما جعلنا من فرط أنانيتنا نتحسر على أنفسنا لأنه حتى بعد أن أصبح جثه مازال يملك رصيدا من الحب فى قلب تلك الفتاه لا تحمله لنا أى من زوجاتنا . فأحدنا تذكر ان زوجته تتمنى من ربها ان يقصف عمره لتتخلص منه وأخر تعمقت صدمته عندما تذكر ان زوجته لم تنتظر حتى يرحل بل شرعت بخيانته فى حياته . أفقنا جميعا على نداءاتها للرجل الذى أصبح قريبا جدا من الجثة لكن لحظة ان وضع يده عليها شعر بقشعريرة هزت روحه فهو بالنسبة له ليس الا مجرد جثه جعله الاقتراب منها وجها لوجه لأقسى ما فى حياته وهو الموت فعاد مفزوعا محاولا الهروب من الغرق فى دوامة تلاطم أمواج مشاعره المضطربة . كان لانفلات الجثة من يد الرجل وقع الصاعقة على الفتاه التى جن جنونها وهى ترى الأمواج تدفعها نحو اللاعودة فاستجمعت كل ما تبقى من قوتها ويأسها وحبها لتواصل ملاحقتها فى ظروف أصبحت مستحيلة لاسترجاع حبيب نزعوا روحه لكنهم أبدا لن يستطيعوا انتزاع حبه من قلبها 0




8_ عاشور يضرب ليه يا ولاد الكلب

عاشور تخونوه ليه يا ولاد ال0000 هكذا كان يصرخ عاشور فى شارعنا عندما تتلبسه حالة الهياج ويظل يضرب بكل ما تطوله يداه كل من يقابله لنسرع نحن كعادتنا فى تلك اللحظات بالهروب خلف ساتر حتى لا تصيبنا قذائفه . والغريب أن حينا الذى لم يتحمل عاشور عندما كان عاقلا ومسالما وصاحب ورشة بل وقذف به للجنون هذا الحى هو الذى فرض عليه عاشور أن يتقبل جنونه . فهو دائم الحركة فى كل حارة وكل شارع وفمه لا ينغلق بكل المسكوت عنه فهو يحكى وبصوت مرتفع لا أدرى لمن هل لنفسه أم لنا أم لربه عن خيانة زوجته ومن خانوه من الأصدقاء والأقارب وذوى الرحمة حتى انتزعوا منه عقله كان يحكى وهو منفعل جدا ومازال دخان السجائر لا ينقطع من فمه كمدخنة تقذف لهيبا نتيجة احتراق قلبه . ومع ذلك كان عاشور لا يحرمنا أيضا من بعض مواقفه الكوميدية كأن يكون جالسا بسلام وسطنا على القهوة وفجأة يتذكر أحد من خانوه أو كيف خانه فيجن جنونه ويطيح بقدمه بالترابيزة الممتلئة بأكواب الشاى الساخن التى تتوسط مجموعه من بسطاء الناس المنشغلة بلعب الطاولة فيتقافز الجميع هروبا خارج القهوة . أما الذى لا ننساه لعاشور أنه فى إحدى أشد نوبات هياجه أمسك بكرسى من القهوة وخلع رجله ووقف فجأة فى منتصف الشارع معترضا أتوبيسا عاما كان مسرعا مما جعل السائق يفرمل غير مصدق ما يحدث عندما وجد عاشورا ينهال على زجاج الأتوبيس تكسيرا مما أحدث حالة من الرعب الشديد لكل الركاب الذين تركوا مقاعدهم وانطلقوا فزعين والغريب ان أول المندفعين من باب الأتوبيس كانت سيدة عجوز فوجئت بعاشور يقف لها على الباب وينهال عليها ضربا وهو يصرخ
_ عاشور ينضرب ليه يا ولاد الكلب
فصرخت فيه السيدة العجوز تدافع عن نفسها قائله وهى لا تعرف من هو عاشور ولا من ضربه
_ والنبى يابنى ما ضربت عاشور دنا لسه جايه من االشغل مهدودة . ولم ينتهى الموقف الا بانتهاء نوبة هياجه ليرحل السائق بأتوبيسه مكسرا وفارغا بعدما هرب منه الركاب لأن عاشور لا أحد يستطيع أن يوقف نوبات غضبه الى حد أنه فى إحدى المرات كانت قوة من الشرطة مكونة من ضابط غبى وخمسة عساكر جاءوا ليأخذوا أحد المتهمين من شارعنا ولم يجدوه فأمر الضابط عساكره بأخذ أم المتهم وأخته بطريقة مهينة حتى يجبره على تسليم نفسه ولم يعط الضابط فرصة لأحد ممن يرجونه ليترك الست المريضة وابنتها وأصر على جرجرتهما فى الشارع موجها لهما ولنا أحقر الشتائم. وفجأة خرج عاشور من إحدى الحوارى وهو مازال يتحدث ودخان سجائره يتصاعد من فمه وما أن رأى الضابط والعسكر يجرون الست وابنتها حتى تذكر عندما جاءته قوة من الشرطة لتنتزع منه ورشته ليسلموها لمن خانوه مسلحين بحكم قضائى. وفجأة وجدنا عاشور يقلب عشر صناديق عصائر على الأرض وينهال بالزجاجات كالطلقات القاتلة فى وجوه الضابط وعساكره وكان من نصيب الضابط زجاجه كالصاروخ بجوار أذنه مما أفقده توازنه وكم سعدنا جميعا ونحن نرى الضابط القاسى يجرى غير متوازن نحو العربة ويقودها هاربا غير منتظر لركوب عساكره ومازال عاشور يلاحقه من شباك العربة بطلقات زجاجاته. وما أن وجد أهل حينا ما فعله عاشور بالضابط حتى انهالوا جميعا على العساكر الغلابة بالضرب مما جعلهم يهربون من حينا كالفئران المرعوبة . والغريب عندما عاد نفس الضابط وبقوة كبيرة لتأديب حينا فأغلقوا محلاته ولموا شبابه لم يجرؤ أحد من الاقتراب من عاشور الذى ظل معززا مكرما فى حينا حتى مات فجأة دون أن نستطيع أن نجيب على سؤاله لنا وهو يصرخ فى نوبات هياجه عاشور تخونوه ليه يا ولاد الكلب .


9 _ مرارة الفرحة
لم تدرك أمانى ابنة الستة عشر ربيعا عمق ما فقدته برحيل أمها إلا عندما سحقها قطار قسوة زوجة الأب . فبدأت تفيق على غير رغبتها من سكرة دفء حضن انتزعت منه لصقيع الكراهية التى لم تشارك فى صنعه لكنها أصبحت اكبر ضحاياه . فبحثت فى ثنايا روحها المحطمة عما تبقى من بذور الأمانى التى فقدت تربة إنباتها علها ترطب بحلاوتها مرارة الأيام . فلم تجد إلا أمنية أشعلتها رغبتها فى الهروب من هذا الجحيم بتذكرها وعد أمها قبل موتها بسفرهما معا لمولد السيدة زينب . فركبت القطار متخفية وبدأت دقات سعادة قلبها تنبض من بعد طول توقف كلما اقتربت من تحقيق أمنيتها وابتعدت عن جنتها التى أصبحت مكمنا للدغات الألم . وكم فرحت بطفولتها التى لم تغادرها بعد بمديح المنشدين وقذفت بأحزانها فى حلقات الذكر وأكلت من نفحات الله فى بيوت الله وانتشت روحها بحلمها الذي تحقق فتحولت لحمامة تضرب بجناحيها فى سماء سعادتها . ولأنها تعلمت مبكرا أن الأمانى لا تدوم فقد عزمت ألا تجعل أحدا يخرجها من نشوة فرحتها . لذلك لم تعر أى اهتمام لكل الأعين التي كانت تتفحص مكامن أنوثتها البكر أو التعليقات الساخرة أو النصائح الزائفة ممن حولها . لكن عقارب سعادتها توقفت باقتحام محروس قطقط لأفق حلمها . وهو بلطجي وقواد يفرض سطوته على كل من يحيا فى العالم السفلى من المشردين حول ضريح السيدة زينب مستندا بعلاقته برئيس المباحث لتفاجأ أمانى بقطقط يدخل عليها دورة المياه الخاصة بالجامع والتي استأذنت من حارسها لتدخلها بعد إغلاقها . وللحظة شعرت أمانى بأن قلبها سيتوقف من الرعب وهى تقاوم عبث محروس بجسدها الشهي وتغلبت على رعبها بغرس أظافرها فى وجهه لتخوض معه معركة شرسة مزق لها فيها ملابسها وأجزاء من جسدها لكنها نجحت فى تمزيق الخوف من جبروته مما جعل عامل دورة المياه يتخلص من رعبه ويسرع لضابط المباحث الذي أرسل رجاله ليقف محروس قطقط أمام الضابط متلقيا الضربات على قفاه دون أن يجروء على رفع عينه لأعلى . وانصرف من القسم وهو ينظر كذئب جرح نحو أمانى التي أمر الضابط بحجزها في حجرة جانبية مظلمة . لتحيا فيها خليطا من المشاعر المتضاربة فمازالت أضواء المولد تلمع من خلف قضبان الشباك وأصوات الغناء تتهادى محاولة تبديد أحزان روحها لتظهر بوادر سعادة طفولية كانت تطفئها نظرات العسكري المتلصصة لجسدها الذى جمدته برودة التعري . وظلت أمانى فى هذا الصراع ساعات طوالا حتى انتهى رئيس المباحث من تحقيقاته مع أصحاب السوابق حتى أكتأبت روحه فتذكر جسد أمانى فانطلق نهر من الرغبة في أوصال وجدانه الذي جفت إنسانيته . فنادى العسكري وسأله عن الأحوال فأجابه بأن كل شئ مؤمن وأسرع بإحضار أمانى التي غلبها النوم فحلمت بأمها تحضنها وتصلح لها ما تمزق من ثوبها وتطمئنها أن أذان الفجر اقترب وأنهما ستصليانه معا كما وعدتها . لتفيق أمانى على صرخاتها المجنونة وهى تتصدى لمحاولات رئيس المباحث اغتصابها . صعدت بعض الضباط مسرعة من الدور السفلى فوجدوا رئيس المباحث ينهال عليها ضربا مبرحا فخلصوها منه وأسرعوا بطردها خارج القسم خوفا على زميلهم . فاشتاط رئيس المباحث غضبا وجاء بمحروس قطقط وظل يمزق جسده وهو معلق طالبا منه أن ينهى حياة هذه الفاجرة وإلا أنهى هو حياته . فنزل قطقط كالمجنون يبحث عن أمانى التى فقدت الأمان وسط الملايين من زائري المولد . وأخيرا عثرا عليها وهى معلقة فى شباك الضريح تطلب من السيدة زينب نجدتها ودموعها تنهمر. وما أدارت وجهها حتى وجدت الجموع قد ابتعدوا من حولها مشكلين نصف دائرة لتصبح وجها لوجه أمام قطقط الذى رفع مطواته الحادة وفى لحظة لمحت أمانى احد أبواب المسجد يفتح فجرت بكل رعبها دافعة الباب والحارس المعترض لكن محروس انقض عليها بضربة شقت وجهها داخل الجامع وبأخرى قطعت بطنها فتدفقت الدماء حارة من أمانى بغزارة جعلت حارس الجامع يسرع بإخراجها لتواجه ألاف العيون المرتجفة التى لم تستطع الاقتراب منها حتى سقطت . وحين أرتفع أذان الفجر فتحت أمانى عينها الواهنة لتقاوم رجفات الموت بتذكر وعد أمها حتى فاضت روحها . وبسرعة تكاتفت الشرطة وجموع الناس بحمل جثتها وسرعة دفنها فيما أسرع حارس الجامع بغسل دماءها من أمام الجامع ليدخل كثير ممن شاهدوا المأساة للصلاة غير خائفين من مقابلة ربهم . وأخترقت أضواء النهار الباهتة شبابيك المسجد معلنة يوما قادما مارس فيه قطقط سطوته على العالم السفلى الذي يحكمه حذاء من يسخرونه .



10 _ العيد الحزين
لم يصدق فهمى نفسه وهو يستمع لمكالمة من قيادة أمنية فى وقت متأخر من الليل يخبره بلهجة آمرة باختيار أبنته نور لتغنى أمام المسئولة الكبيرة غدا في أعياد الطفولة . للحظة شعر أن احدهم يريد التسلى به لكن الوضع تغير عندما اتصل به مدير المدرسة الذي سأله فهمى عن سبب اختيارهم لابنته فضحك الرجل بافتعال وأخبره بأن حفيدة الست سمعتها مصادفة فى إحدى المرات النادرة التي تشاهد فيها التلفزيون المصري . شعر فهمي بوخزة تؤلم قلبه وسأل المدير بنبرة حادة ( للسبب دا صحتونا نص الليل ؟ ). فأجابه المدير وقد ضاق صدره ( مرض بنتك وغيابها هو اللى ماخلكوش تشوفوا بنفسكم قوات الأمن وهى محتلة المدرسة من تلات ايام لتأمين الزيارة ) . ثم أنهى الرجل المكالمة بعدما اخبر فهمي بموعد تواجده المبكر مع أبنته نور . استيقظت زوجته التي عادة ما تقلق من مكالمات الليل لكنها طارت من الفرحة عندما اخبرها فهمي بما حدث وقررت انتهاز الفرصة مذكرة زوجها بكم الاستغاثات التي كانوا يرسلونها لكل المسئولين لإنقاذ نور التى تحتاج لتدخل جراحى سريع فى القلب لا يملكون ربع ثمنه . ونقلت حماسها لزوجها الذي أسرع بكتابة استغاثة بحالة ابنته وأخذه العشم فى المسئولة الكبيرة فطلب منها فى نفس الاستغاثة أن تحميه من مديره فى العمل فصرخت فيه زوجته مذكرة إياه بأن هؤلاء الكبار ضيقوا الصدر مع أمثالهم . فلام فهمي نفسه واختصر الرسالة على استغاثة طفلته التي أيقظتها أمها ليعيدوا التدريب على الأغنية التي أعجبت حفيدة الست . لكن نور حتى ترضى أمها ظلت تردد أحرف كلمات الأغنية وهى نصف نائمة فصرخت فيها أمها حتى لا تفلت الفرصة وكادت أن تضربها لولا تدخل أبيها الذي أخذها للشارع . وبعد أن التهمت الشيكولاتة اللذيذة التى تعشقها انطلقت نور فى الغناء مع نسمات الفجر وكأنها ملاك صغير جاء ليوقظ بالأمل قلوب البسطاء النائمين . وبينما كانت أمها تسرع بإصلاح أجمل فساتينها كان فهمي يأخذ علاج ابنته وسندوتشاتها بعدما رفضت الإفطار. وسريعا وصل بها للمدرسة التي فوجئ بتطويقها بكم لا يحصى من رجال الأمن الذين أوقفوه وبعد العديد من المكالمات صدم فهمي عندما ابلغوه ان هناك تصريحا لابنته فقط فأخبرهم بأنها مريضة وهو من يعطيها العلاج فطمأنوه بعد أن يسرعوا بدخول ابنته سيأتوا له بتصريح . وقبل أن ينتزعوها منه أخذها جانبا وأخفى فى ملابسها الاستغاثة وطلب منها ان تصر على إعطائها للمسئولة الكبيرة حتى لو رفض الأمن . لكن كلامه وتحركاته مع أبنته أثارت شكوك أحد الضباط الذي أسرع خلف نور وما أن لحق بها حتى أصر على تفتيشها فأفرغ جيوبها من البسكويت وعندما أقحم يده تحت فستانها ليتحسس ماذا خبأت ففاجأته نورا بقلم على وجهه وهى تصرخ فيه ببراءتها ( هنا عيب ياعمو ) . فاستشاط الضابط غضبا خاصة عندما انفجر زملاؤه فى الضحك فانقض على نور بضربات متوحشة على وجهها حتى انتزعوها منه وهى تصرخ منادية أباها بصوتها المرتعش رعبا . فجاء قائده وأنبه على وقوف الطفلة أمام الست لتغنى وهى بهذه الحالة وارتعشت أوصاله وهو يأمر فى اللاسلكى بالتحرك لاقتراب موكب المسئولة الكبيرة فأمر عاملة بسيطة من الأمن كي تفتش نور وأمر رجاله بسرعة الانتشار . وعندما اختلت عاملة الأمن بنور هدأتها واستأذنتها بتفتيشها وعندما قرأت ما تخبئه دمعت عيناها ودست الاستغاثة حيثما كانت وأسرعت بنور لغرفة الملابس . ولم يفلح الفستان الجميل الذى ألبسوها إياه فى إخراجها من حزنها ووجد عامل الماكياج صعوبة فى إخفاء كدمات وجهها من كثرة دموعها الحارة وعندما جاءوا لها بأغلى السندوتشات رفضت فقد كانت تتمنى أن تشبع جوعها بسندوتشات البطاطس من يد أبيها الذي مازال يحارب حتى يصل إليها لكنهم أبعدوه بقسوة عندما اقترب الموكب . فأسرع بالاتصال بمدير المدرسة ليعطيها العلاج لكن الرجل كان قد حسم أمره بألا تفلت فرصة تصويره وهو يسلم على المسئولة لأنه يعلم أن وضع تلك الصورة فى مكتبه هي اكبر رادع لكل من يضغطوا عليه من رؤسائه . واصطف الأطفال وبينهم نور بعد أن توقف بكاؤها عندما وعدوها بمجيء أبيها . فحملت الورد مع زملاؤها وانتظروا المسئولة الكبيرة لكن وقفتهم طالت بعدما افلح الوزير الهمام أن يجعل سيادتها تفتتح بعض التجديدات التى سبق وقد افتتحتها من قبل . للحظة شعرت نور بعدم توازن وأحست أنها ستقع لكنها تماسكت وتأكدت من وجود ورقة الاستغاثة معها وعندما بدأ العرق يتصبب من جبهتها أسرع عامل الماكياج ليضبط ماكياجها هي وباقي الأطفال لكن نور شعرت بإرهاق أكبر لم يخرجها منه إلا انفلات بالونه جميلة من قيدها . للحظة أحست نور ان روحها تريد أن تنطلق للسماء خلف البالونه وما أن حاولت الانطلاق حتى صلبتها يد قاسية فى مكانها فعاد شعورها بالإرهاق بأقسى مما كان وشعرت أنها تريد أن ترتمى بأوجاعها فى حضن أبيها الذي هدده الأمن باعتقاله لو لم يوقف صراخه على ابنته . ولاحقت أم نور التلفزيون هي وكل أهل حيها لتفرح بأبنتها التي كانت قد دخلت مرحلة خطيرة من الإعياء وعندما بدأت تتبول على نفسها لم يشعر بها أحد حتى سقطت على الأرض قبل ثوان من وصول المسئولة الكبيرة فأسرع رجل الأمن بأخذ الورد من يدها وأعطاه لزميلتها بعد أن ادخلوها خلف لافته كبيرة مكتوب عليها عيد طفولة سعيد . وظلت نور تصارع الموت خلف اللافتة حتى انتهت الست من السلام على طابور طويل من المشتاقين ولم ينتبه لها أحد إلا العاملة البسيطة التي ظلت تبحث لها عمن ينقذها لكن الجميع قد سخروا فى خدمة الزيارة . صرخت العاملة وهى ترى روح نور تفارق جسدها الضعيف دون أن تستطيع عمل شيء . مثلما صرخت الأم في محمول زوجها تخبره أن نور لم تظهر على المسرح وأنهم يوقفون طفلة تحرك شفاهها على صوت غناء أبنته فلطم الأب وجهة صارخا ( بنتى ماتت ) فسبه ضابط ودفعه بقسوة فارتمى فهمي على الأرض يقبل حذاءه ويرجوه أن يسمح له بأن يأخذ وحيدته حتى ولو جثة . فأجابه الضابط بأنه سيحقق طلبه بشرط ألا يفتح فمه حتى يغادر المكان وإلا فلن يرى جثة ابنته . شعر فهمي عندما سمع كلمة جثة انه هو من مات فلم يعد يرى شيئا وللحظة عاد له وعيه عندما سمع صوت نور فى الميكرفون فداعبه أمل لقائها لكنه انطفأ لحظة استلامه فرحة عمره وقد فارقتها الحياة فضمها بكل أحزانه غير مصدق أن تخلو حياته من بهجتها . وانطلقت حمم صرخاته التى طغت عليها صرخات عربات موكب المسئولة الكبيرة التي غادرت المكان لأمر أهم .



11 _ متي يأتى الفرج
جلست الخالة مبروكة فى محطة قطار المركز الذى يبعد عن قريتها عدة كيلو مترات لا يعلم إلا الله كيف تعذبت حتى جاءت لها حامله سبت العيد لابنتها فاطمة التى تزوجت وتغربت عنها ولا يزورها أحد من أقاربها كثيري العدد قليلي القيمة فهى عيله بنت كلب على رأى الخالة مبروكة التى كانت تتوقع أن تضعها العائلة هى وابنتها فى عيونهم بعد رحيل الأب الذى كان قلبه وبيته لا يخلو فى أى وقت من إكرام أحدهم .ورغم رأيها فى العائلة الا انها كانت تتمنى ان تتزوج ابنتها منهم لتعيش بجوارها وتظل دائما أمام عينيها ولا يمر موسم أو عيد إلا ورفعت رأسها . فهى تعلم ان العروسة الجديدة تظل السيدات بل والرجال فى انتظار ما سيأتى لها فى المواسم وخاصة عريس ابنتها وأهله الذين تشعر الخالة مبروكة ان دخلتهم البراقة قد أعمتها هى وابنتها الجميلة فاطمة التى تشعر من صميم قلبها انها سرقت منها عندما تزوجت من هذا الشاب الذى اكتشفوا انه عاطل عن العمل وعن كل صفة من صفات الرجال حتى الإنجاب . فبعد كل هذه الشهور لم يتحرك فى أحشائها جنين .ووسط طوفان مشاعرها لم تشعر الخالة مبروكة إلا بزفرة حارقه تخرج من صدرها تلعن العائلة بنت الكلب الذين حرموها من وحيدتها التى كانت اعمق أمانيها عندما تواتيها المنية وتشعر بخروج الروح ان تصبح فى حضن ابنتها لتقويها بدفء حضنها على احتمال الفراق ليكون وجه فاطمة أخر ما تراه فى دنياها قبل أن ترحل الى المجهول البعيد . لكن الدنيا تظهر وكأنها ليس أمامها شيء إلا أن تسلب من الخالة مبروكة أمانيها الواحدة تلو الأخرى . وهاهى الان تجلس فى محطة القطار وأمامها سبت العيد ومازالت أنفاسها تتلاحق وكأن صدرها تحول لباجور رى الأرض فالعرق مازال يتدافع من جبهتها البيضاء كحبة الفل وهو ما جعل الخالة مبروكة تخلع طرحتها لتمسح عرقها المتلاحق فظهر منديلها الريفى بجماله العتيق على وجهها الذى مازال يحمل بقايا جمال وفتنه 0 كان كل ما يشغل الخالة مبروكة فى تلك اللحظة هو الوقت فالليل أسدل ستارة ظلامه الكثيفة وخاصة بعدما صدمت أن قطار التاسعة ليلا الذى كانت ستركبه قد أقلع لتوه ومازال ضوئه الباهر يبعد عنها وعرفت أن القطار القادم مازال أمامه الكثير وهو ما جعلها تضرب على قلبها حزنا فلماذا ابنتها هى التى يتأخر عيدها وماذا ستفعل هى ؟
هل تعود مره أخرى فى رحلة عذاب للبيت وتكرر مأساة رجوعها لمحطة القطار ثانية ؟ لكنها بقوة عاطفة الأمومة العميقة حسمت أمرها بأنها ستظل حتى يأتى القطار القادم . ليظهر لها على الفور مشكله أخرى ماذا عن ضكر البط الذى معها هو وطاجن الأرز المعمر لو حدث لهم لا قدر الله مكروه ؟ . حتى هذه وجدت لها الخالة مبروكة حلا فالوقت شتاء والبرد قارس والحل هو أن تفك الغطاء عن السبت ليدخل الهواء المتجدد لخلايا طعام ابنتها فيحفظه من العفن . أما خوفها الأكبر والذى بدأ يتزايد كلما توغل الوقت نحو جوف الظلام هو وحدتها فقد رحل الركاب وأصبحت الخالة مبروكة وحيدة على المحطة فى هذا الجو الموحش ولم يخرجها من مخاوفها الا وصول خفير المحطة ساحبا عجلته الكسيحة التى علق عليها راديو صغيرا مكسوا بقطعة قماش قديمه وفى بطء ورتابة قام بركن عجلته بجوار أحد شبابيك المحطة المتهالكة . فى تلك اللحظة لا تعرف الخالة مبروكة كيف انتابتها نوبة من الضحك حاولت ان تكتمها عندما رأت الغفير الذى من المفترض ان يحمى المحطة ويحميها بقامته القصيرة وهيئته المهلهلة حتى بندقيته التى حلفت الخالة مبروكة برأس أبيها فى تربته عندما رأتها انها لم ولن تعمل طيلة عمرها فليس فيها ما يغرى بالنظر الا رقمها المكتوب بخط عريض . وواصلت الخالة مبروكة فحصها للغفير وهى تخفى فمها بطرحتها حتى لا تظهر ضحكتها الحلوة التى اخرجتها من محيط حزنها . وأيقنت داخل نفسها ان هذا الغفير بوضعه هذا اكبر مشجع للحراميه فماذا سيفعل ببندقيته العاطلة فى مواجهة حراميه مسلحين وكيف سيلاحقهم هل بعجلته ؟ . ويبدو ان نظراتها نحوه جعلته يشعر بوجودها فوجدها فرصة لممارسة مهام عمله فاقترب منها فى خطوات بوليسية مفتعله وكلما اقترب منها زاد ضحكها وفى لهجه أمره سألها فأجابت عن حكايتها واثناء حديثها فاحت رائحة أكلها الشهى فدب يده فى السبت وكأنه يفتش محذرا إياها ألا يكون فى السبت ممنوعات . لحظات من البحث وخرجت يداه ممسكة بضكر البط المحمر وبدأ ينظر له بنهم وعندما شعرت أنه اقترب به من فمه أسرعت تلاحقه
_ أنت ح تعمل ايه ؟
فباغتها بأساليب مباحث ساذجة
_ ح شمه مش ممكن تكونى مخبيه فى قلبه حشيش
وفى لحظة خطفت ضكر البط قائله له
_ قلبه ايه جاك وجع قلبك
فاندفع فى حالة هياج ملتهب بحرمانه مصمما على رميها خارج المحطة ورمى سبتها معها وظلت هى تقاومه ممسكة بالسبت وهو مصمم على رميهم عندئذ وأمام إصراره هياجه بدأت تستعطفه وتترجاه حتى بدأ يلين لكنه شعر فى ضعفها فرصة ليأخذ منها أكثر مما حاول فى المرة الأولى فعمل وكأنه يساعدها فى رجوع السبت لمكانه وأمسك يدها ضاغطا ضغطة ذات إيحاء جعلتها تشد يديها قائلة اسمع يا غفير ...
فأعدل من هيئته قائلا
_ خدامك محروس
_ اسمع يا غفير محروس انت هنا علشان تحمينا مش تسرقنا وانا ح افضل هنا علشان اركب القطر واروح لبنتى ومش ح تاخد حاجه منى فاهم ؟ .
وعندما وجدها بدأت ترفع صوتها فى إصرار وتحد تراجع هو حتى ذهب حيث علق الراديو وارتمى على دكة خشبية تحت الشباك وانشغل بتقليب محطات الراديو لكن ما زالت عيناه موجهه لها كذئب لابد فى مكمن ينتهز فرصة الانقضاض وهى على الطرف الأخر تحول خوفها من نظراته الى يقظة وإصرار على الذهاب بزيارة العيد لابنتها كما هى دون ان يأخذ الغفير منها شيئا ولكن قبل كل شىء الا يسرق منها ما هو أهم 0 مصممة ان تنجح هذه المرة فى إقناع ابنتها على ترك هذا المصير الأسود الذى تعيشه ويلحقا القطار لينطلق بهما لتصبحا جزءا من أضوائه الساطعة .



12 _ بتسامة مجروحة
بصعوبة شديدة حشر محمد يوسف نفسه وسط الأجساد المخنوقة فى الأتوبيس لم يقبل كصعيدي أن يلتصق به احدهم من الخلف حتى ولو بحسن نية فاستدار ببطء كعقرب صدأ توقفت نبضات أيامه حتى أصبح وجهه يغرق فى زحام الأتوبيس . حاول تنفيض الرمل الذي يأكل جسده والمتبقي من عمله فاعلا يرفع أطنان الرمل كل يوم هو وأبناء قريته رغم حصوله على البكالوريوس منذ سبع سنوات . نجح أخيرا فى إزالة الرمل من على قفاه ثم رفع عينه لأعلى ليكتشف أجمل وجه رآه فى حياته الضنينة . ظل يحدق غير مصدق لصفاء وجهها وعيناها الخضراوتان كحقول قريته فى ربيع أيامه الذي ولى . حاول مبتهجا ان ينظر لقمر عينيها فوجدها تبتسم له ابتسامة مشرقة شعر لحظتها ان الدنيا تتسع لتحتضن كل أحلامه الهاربة . لم يفق إللا على طلوع دفعة جديدة من الأجساد التي إزاحة قمره في طريق زحفها لداخل الأتوبيس . لم يحتمل محمد أن تغيب بهجتها حاول أن يشب ليراها فلم يفلح صمم على الدخول خلفها فلم يجد خرم ابره وتعالت الأصوات تصرخ في وجه . استقر ثانية فى السنتيمترات التي هي موضع قدمه لكن روحة ظلت قلقة لسبب لم يعرفه إلا عندما قل عدد الركاب في الأتوبيس فأسرع حتى وصل لجميلته التي فوجئ بتغير ملامحها ومحاولتها الهرب من نظرة عينيه فأصر أن يسألها بنظراته اللهفة عما بها وعندما انزاحت من مكانها صدم محمد أن الرجل الشايب الذي كان ملتصق بها من الخلف يغلق سوستة بنطلونه . مرت دقائق ثقيلة كدهر حتى جاءت أول محطة وأسرعت الفتاة بمغادرة الأتوبيس وأحلام محمد المنكس الرأس .



13_ أخر ما تبقى
قطعت حديثي وانتبهت عندما وجدت عم سالم يسير فى الشارع محتضنا الراديو العتيق الخاص به بكسوته المميزة التى كانت المرحومة زوجته تفصلها له كلما فصلت ملابس أولادها الاربعه الكبار قبل أن يأتى ابنها الأخير الذى جاء الى الدنيا غلطة دفعت هى حياتها ثمنا لها أثناء ولادته . وعندما تخرج أولاد عم سالم واستقلوا بحياتهم وبدأت سباقاتهم المحمومة لأحلامهم وطموحاتهم لم يساعدوا عم سالم فى تربية أخيهم الصغير بحجة أنه السبب فى فقدهم لأمهم الحنونة . وأثناء متابعتى له لفت نظرى حرص عم سالم على الراديو الذى كان يحمله كابنه ويمسحه بكم جلبابه ناظرا إليه نظرات أب يودع ابنا له فتأثرت فمن منا لم يصبح راديو عم سالم جزءا جميلا من حياته وهل ننسى جلسته فى البالكونة يستمع الى محطة أم كلثوم وأغاني جيلها أو وهو يرتوى من قلته المنعشة . من منا لم يضبط مواعيده على راديو عم سالم فجرا عندما كنا نسهر أيام الامتحانات فنستمع معه للقران وأذان الفجر الذى يبدأ يومه بعد صلاته بتناول لقمه ناشفة مع كوب الشاى وقبل ذهابه لعمله البسيط يبدأ فى تقليب مختلف الإذاعات الناطقة بالعربية مثل لندن وغيرها للاستماع الى الأخبار . كان مقتنعا أن إذاعتنا بل وكل الإذاعات تكذب علينا ولكن بدرجات . لذلك كانت نصيحته لنا أن نستمع للكل ثم نشغل عقولنا وهو ما جعل موقفه غريبا وفريدا وسط أهل شارعنا أيام هزيمة 67 ففى الوقت الذى كانت الناس تهلل فيه فى القهاوى وتحتضن بعضها وهى تدعو بالنصر ليس لمصر ولكن لزعيمهم عبد الناصر وهى تستمع لبيانات إذاعتنا الملتهبة حماسا بانتصار جيشنا المصرى وزحفه نحو عاصمة إسرائيل إلا عم سالم الذى كان يعلم من إذاعات أخرى حجم الضربات القاسية والمهينة التى تنهال على جيشنا الحبيب وكانت عيناه تدمع على جيش يهزم فى الجبهة وشعب يهزم فى الداخل بالديكتاتورية التى تحميها الخديعة والكذب . كل ذلك تذكرته وأنا أتابع سير عم سالم متصورا أنه سيدخل محل إصلاح الأجهزة لكنه تابع مسيرته فى جوف الشارع متخطيا بيت حبيبتى التى كثيرا ما جسدت كلمات الأغاني العذبة الصادقة التى تنساب من بلكونته أحاسيسنا المتبادلة فى وقت لم نكن نستطيع التعبير عن تلك المشاعر الا عبر نظراتنا المتلهفة الخجلة 0 واصل عم سالم المسير لدكان عم خميس بائع أحلى طبق مكرونة والذى حول أولاده المحل الى قطع غيار الموبايل ليصبح أكثر محل يعمل فى حينا 0 دخل عم سالم المحل مترددا فأغلب زبائنه من أجيال لا تعرفه شاعرا أن الكلمات توقفت فى فمه . ولاحظ محمد الابن الأكبر لعم خميس حرج عم سالم فنادى عليه قائلا
_ فين يا عم سالم الراديو اللى عاوز تبيعه ؟
مد عم سالم يده بالراديو نحوه وكأنه ينتزع قطعه من روحه. وما أن رأى الواقفون الراديو إلا وانفجروا فى ضحك هستيرى شعر بعدها عم سالم بالأرض تدور به لكن محمد خميس حاول السيطرة على الموقف رغم الضحكات المتفجرة والمكتومة داخله موجها كلامه لعم سالم
_ آيه دا يا عم سالم ؟ فرد عم سالم محرجا
_ عاوز تشتريه يابنى ؟ أمسك محمد كسوة الراديو بأطراف أصابعه
_ طيب آيه اللى عليه دا ؟
فرد عليه عم سال متهيبا نظرات زبائنه
_ كسوته
وهنا بدأت تتصاعد ضحكات الشباب مره أخرى فحاول محمد خميس أن ينهى الموقف
_ عاوز فيه كام ؟
وهنا تذكر عم سالم السبب الذى من أجله قرر أن يبيع أكبر مصدر من مصادر سعادته فى دنياه البخيلة وهو ابنه أخر العنقود الذى يتولى عم سالم تربيته كأب وأم والذى يتعرض لضرب وإهانة أستاذه الجلاد منذ بداية العام الدراسى ليدخل مجموعة التقوية فكل يوم يذنب ويهان وعندما أشتكى عم سالم للناظر ما يحدث لابنه رد عليه بأن دخل المجاميع هو ما يصرف على المدرسة ونظافتها وتأزم الموقف أكثر عندما رفض ابنه الذهاب الى المدرسة إلا لو دفع أبوه ثمن المجموعة حتى لا يعذب ثانية من جلاده 0 وشعر محمد خميس كتاجر أن استغراق عم سالم فى تفكيره قد يجعله يرفع من السعر فباغت عم سالم قائلا
_ أنا عارف أن الراديو غالى عليك يا عم سالم بس بالنسبة لى مالوش لزمة قوللى بقى عاوز كام؟
فرد عم سالم بالرقم الذى يحتاجه فقط
_ عشرين جنيه
فوجئ محمد خميس بصغر المبلغ ولكنه حاول الضغط كتاجر على عم سالم فأخرج خمسة عشر جنيها من أكوام الفلوس الممتلئ بها الدرج فرد عم سالم يده بالفلوس فى حسم قائلا له
_ بقولك عشرين جنيه
فاستسلم محمد خميس وأعطاه ما أراد ولحظة قبض عم سالم على الفلوس نظر للراديو نظرات تجمعت فيها كل أحاسيسه ومشاعره فى وداع عزيز غالى لن يراه ثانية ثم استجمع إرادته وخرج متأثرا من المحل وسط اندهاش كل من فيه لتصرف ذلك الرجل وسألوا محمد خميس مستنكرين عن سبب شرائه لهذا الراديو فتغيرت ملامحه وبدأ وكأنه يثأر لجرح فى أعماقه يحرص على إخفائه بقوله
_ انه أنتيكا
لكن أحد أصدقائه من الواقفين أصر أن يعرف السبب ففاجأهم وهو يضغط بقبضته القوية وكأنه يخنق أنين الراديو قائلا
_ فى يوم مش ح نساه رفضنى الراجل دا هو وبنته بحجة انى مش جدير بيها رغم انى كنت باموت فيها ومازلت .
فوجئ الجميع بهذا الموقف وهم يتابعون عم سالم الذى مازال يواصل مسيره حزينا نحو منزله ممسكا بكل حب بكسوة الراديو التى انقض عليها لحظة ان رماها محمد خميس بإهمال متعمد فالتقطها عم سالم وضمها إلى صدره وكأنه يخشى أن يهرب منه أخر ما تبقى من ذكريات عمره وعمرنا الجميلة .